المسلمون في الغرب.. بين الرغبة في التعايش وتحديات الاندماج

الثلاثاء, 28 يونيو 2011

من بين الإشكالات العميقة والمهمة التي تواجه المسلمين حاليا في الغرب، إشكالية الرغبة في التعايش والاندماج الإيجابي - من دون ذوبان - والتحديات والأسباب الحقيقية التي تحول وتعوق دون تحقيق ذلك، التي لم تعد مجرد شأن داخلي يخص مسلمي الغرب وحدهم، بل أصبحت من القضايا الفكرية العالمية العاجلة والمهمة التي تخص جميع الأفراد والمجتمعات والدول لتحقيق التعايش والحوار مع الآخر، مهما تباعدت الأقطار وتعددت العقائد والديانات والثقافات والألسنة واللغات.

جاء المسلمون إلى الغرب بحثا عن حياة كريمة ومستقبل أفضل لهم ولأبنائهم، وهم في نفس الوقت عليهم أن يتقبلوا ويتفاعلوا مع القيم والتقاليد الثقافية الجديدة للآخر، مع الحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية في الدول التي هاجروا إليها والمجتمعات الموجودين فيها، فأصبحوا بين خيارين، هما الاندماج والانفتاح دون الذوبان، والإحجام والانغلاق والانعزال والتقوقع، ومع كلا الخيارين هم مطالبون وبمنهجية وعقلانية بإبراز الوجه الحقيقي المشرق الحضاري والأخلاقي المعتدل والمتسامح للإسلام والمسلمين وتمثيل أنفسهم خير تمثيل لدحض الرؤى والأفكار والاتجاهات السلبية في الغرب التي تسيء إليهم وإلى الإسلام، والتي تقف حجر عثرة في طريق رغبتهم في التعايش الكريم.

ينقسم المسلمون في الغرب إلى فئتين، فئة ترفض وتحجم عن التعامل والتفاعل مع المجتمع الغربي، وفئة أخرى ترغب في التعايش والاندماج الإيجابي، دون ذوبان، لكن هناك من التحديات والأسباب الخاصة بهم أو الموجودة في المجتمع الغربي التي تحول دون تحقيقهم لذلك.

وعلى الجانب الآخر، هناك فئة قليلة استطاعت أن تحقق التوازن بالتوصل إلى صيغة ورؤية ثقافية تتضمن المعالم والقيم الإنسانية الأساسية المشتركة بين ثقافتهم وهويتهم الإسلامية والجوانب الإيجابية في ثقافة الغرب والبلاد الوافدين إليها والمجتمعات المستقرين فيها، رؤية تضمن لهم الاحترام المتبادل والعيش الكريم المشترك بعيدا عن التعصب الديني أو الآيديولوجي والتطرف والغلو والكراهية.

ويواجه المسلمون في الغرب في سبيل تحقيق الرغبة في التعايش والاندماج دون ذوبان في المجتمع مع الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم الإسلامية، الكثير من التحديات، من بينها: اللغة، التي تعد المفتاح الأساسي لتحقيق ذلك، فاللغة هي وسيلة التواصل والاتصال وتبادل الرؤى والأفكار بين الأفراد والمجتمعات، إذ تعتمد عليها كل الثقافات في انتقالها والتعرف عليها، فتعلم لغة الدولة التي تستقر فيها الجاليات المسلمة تيسر لهم القيام بواجباتهم وعلاقاتهم بالآخرين أفرادا ومؤسسات وكذلك حصولهم على مطالبهم وحقوقهم. لكن أدى غياب اللغة إلى صعوبة تواصل واتصال وتكيف وتأقلم المسلمين مع مكونات المجتمعات المستقرين فيها وبخاصة المهاجرون من الجيل الأول والثاني، وقد أدى ذلك إلى انعزالهم وتقوقعهم لحد كبير عن المجتمع الغربي.

كما أن تحدي البطالة وصعوبة الحصول على فرصة عمل ونوعيته وطبيعته وارتباطه بالمكانة والتأثير في المجتمع وصياغة القرارات، قد ساهم أيضا في صعوبة اندماج الجالية المسلمة وبخاصة مع تزايد صور الإساءة للإسلام والمخاوف من تشغيل المسلمين وافتقارهم لمهارات سوق العمل، لهذا فقد اتجهت الغالبية منهم للعمل في الأنشطة التجارية.

ومن القضايا الأخرى المهمة المرتبطة بتحدي الاندماج في المجتمع الغربي، التي تشهد جدلا واسعا، قضية الأئمة وخطابهم الديني، فقدوم معظم الأئمة من خارج دول الغرب ومعرفتهم المحدودة بلغة وثقافة الغرب، وخطابهم الديني الذي لا يتماشى مع عوامل الزمان والمكان، قد جعل من الصعب عليهم توصيل رسالتهم وأفكارهم بسهولة حول الكثير من القضايا الدينية والفكرية المستجدة في الغرب، وبخاصة تواصلهم مع الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين.

كما أن الكثير من وسائل الإعلام الغربية تسيء للإسلام والمسلمين من خلال نشر تقارير سطحية ورؤى وأفكار وصور سلبية هدامة، نتيجة عن جهل أو تجاهل للوجه الحقيقي للإسلام، الأمر الذي يؤثر على الرأي العام الغربي، وبالتالي في إعاقة المسلمين عن الاندماج والمشاركة الإيجابية في المجتمع الغربي.

من خلال هذه التحديات وغيرها، يمكن القول بأن من بين الآليات والوسائل المهمة التي تسهل وتيسر تعايش المسلمين مع الغرب، تتمثل أولا في التغلب على عائق اللغة وتعلم لغة الدولة التي يستقرون فيها، لتيسير حياتهم والحصول على حقوقهم والقيام بدورهم في التعريف بالوجه الحقيقي المشرق للإسلام وتحسين صورتهم لدى الغرب من خلال اتصالهم وتواصلهم مع أفراد ومؤسسات المجتمع. مع أهمية التأكيد على نقاط وجوانب الالتقاء بين الثقافتين الإسلامية والغربية، التي تساهم في بناء جسور للتعامل والتفاعل والتواصل بينهما، مع تجاوز أو تأجيل المحاور والنقاط التي قد تتسبب في إشاعة التوتر والخلاف. ومن المهم أيضا التأكيد على أهمية ما يسمى في العصر الحالي «فقه الواقع» أي فهم للإسلام يجمع بين النص والواقع، وبخاصة تجاه القضايا والمسائل التي قد تعوق تحقيق التعايش والاندماج الإيجابي مع الآخر، حتى لا يتعرض المسلم في الغرب للحيرة والعزلة والانفصام. مع ضرورة الاستمرار والتوسع في تعميم حملات تصحيح صورة الإسلام لدى الغرب على كافة الصعد ورفع مستوى وعي وفهم الجاليات المسلمة بالواقع والمجتمع الذي استقروا فيه وتعزيز قدرتهم على التعايش السلمي الذي يتوافق معه مع الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم ومعتقداتهم الإسلامية، وتحسين صورة الإسلام لدى الأجيال الجديدة من المسلمين الذين ولدوا ونشأوا في الغرب، فقد لا يكون لديهم الوعي الكافي بالوجه الحقيقي التاريخي والحضاري المشرق للإسلام، وذلك لحمايتهم من الذوبان في هذه المجتمعات ولأنهم سوف يتسلمون راية تمثيل الإسلام في الغرب. مع أهمية التركيز على التعليم والتربية كركيزة أساسية في إحلال السلام وحل النزاعات والصراعات، من خلال إمداد الأجيال الناشئة بالقيم الإنسانية المشتركة مثل التسامح وقبول واحترام الآخر والتحاور معه، التي توحد فيما بينهم وتجعلهم مواطنين صالحين، وبالتالي يصبح العالم أجمع مكانا أفضل للحياة لكل البشر.

28-06-2011

المصدر/ جريدة الشرق الأوسط

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+