أوسلو- مجزرة النرويج تفجر جدلا حول اليمين والهجرة في أوروبا

الجمعة, 29 يوليوز 2011

بعد أقل من أسبوع على مجزرة النرويج، بات واضحا أن ثمة تحولا قد طرأ على النقاش الدائر حول الإسلام واليمين المتطرف في أوروبا. ففي الوقت الذي استمرت فيه الشرطة في النرويج وخارجها في البحث عن شركاء محتملين في هذه التفجيرات، ذهبت التعبيرات عن الغضب الشديد نتيجة لوقوع الكثير من الضحايا إلى ما هو أبعد من المنظور السياسي. وقد تم التنديد بأعضاء في أحزاب اليمين المتطرف في كل من السويد وإيطاليا من داخل صفوف الأحزاب نفسها، نتيجة إلقائهم مسؤولية هذا الهجوم على التعددية الثقافية. كما تم فصل أحد أعضاء الجبهة الوطنية الفرنسية اليمينية المتطرفة بسبب إشادته بمنفذ الهجوم. ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه المآسي إلى حدوث تحولات في الرأي العام.

ولا يمكن توجيه اللوم للأحزاب السياسية غير العنيفة على أعمال العنف التي يرتكبها أحد الإرهابيين أو أي شخص يميل إلى ارتكاب جرائم القتل، لكن مع ذلك بدأ السياسيون يسألون عن السبب وراء استخدام خطاب مثير في النقاش الدائر حول المهاجرين.

وفي حديثه لوكالة الأنباء الألمانية، الأربعاء، قال رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، سيغمار غابرييل، إن الخوف من الأجانب وكرههم والتمسك بالقومية في المنطقة قد ساعد على ارتكاب الهجوم الذي وقع مؤخرا في النرويج. وفي مجتمع يتم فيه التساهل مع المشاعر المعادية للإسلام والعزلة «سيكون هناك أناس مخبولون يشعرون بأنهم يملكون الشرعية لاتخاذ تدابير أكثر صعوبة». وأضاف غابرييل: «يجب على المجتمع أن يوضح أنه لا يوجد هناك مكان لمثل هذه الأمور. هناك شعور عميق في المجتمع بأن المؤشر قد بدأ يتأرجح بعيدا جدا باتجاه الفردية».

ومن السابق لأوانه تحديد التداعيات السياسية التي ستخلفها الهجمات. ومن المعروف أن اليسار في أوروبا قد أصبح خارج السلطة في الدول الكبرى، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ولذا يسعى جاهدا لإيجاد سبب لإحيائه، أو على الأقل وضع إطار جديد للجدل الدائر حول الهجرة. ومن ناحية أخرى، فإن التيار اليميني السائد يمكن أن يجد صعوبة أكبر في قبول الدعم من الأحزاب اليمينية المتطرفة في أعقاب الأحداث الدموية التي وقعت في أوسلو وجزيرة أوتوياه.

«يكمن التحدي الأكبر في انتهازية الوسط، وأعتقد أن هذا سوف يتغير الآن»، كانت هذه هي كلمات يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا السابق واليساري البارز، في إشارة إلى تعاون الحكومة الدنماركية مع حزب الشعب اليميني الدنماركي المتطرف.

لا يمكن التنبؤ بالتداعيات السياسية بسبب وجود تنوع في المشهد السياسي الأوروبي، حيث تملك كل دولة تاريخا وثقافة مختلفة، فالنرويج، على سبيل المثال، ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي. وقد يجعل هذا من الصعب على السياسيين ذوي الميول اليسارية اغتنام المبادرة في مواجهة المحافظين بنفس الطريقة التي استخدمها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بعد تفجيرات أوكلاهوما سيتي، التي قام بتنفيذها متطرف يميني. كذلك، فإن محاولة الربط بين السياسيين وبين معتقدات أندرس بيرينغ برييفيك، الذي يقول المسؤولون النرويجيون إنه أعلن مسؤوليته عن الحادث والذي يقول محاميه إنه مختل عقليا، تعد أيضا محاولة محفوفة بالمخاطر.

وقال باسكال بيرينو، وهو أستاذ في معهد الدراسات السياسية بباريس، إن الأحزاب الفرنسية «حذرة بشدة» في نهجها فيما يتعلق بهذه المأساة خوفا من أن تبدو وكأنها تستغل ما يحدث. ووفقا لبيرينو، كان من المرجح أن يحدث تحول في ميزان القوى بين اليمين واليسار في فرنسا، ولكن هذا من شأنه أن يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة وزعيمتها، مارين لوبن، في الانتخابات.

وتحتوي الرسالة التي نشرها برييفيك على الإنترنت والمكونة من 1500 صفحة على الكثير من المطالبات بالعنف، كما تشمل بعض المقاطع التي تردد قلق القيادات السياسية بشأن المحافظة على الهوية والقيم الوطنية. وقال دانيال كوهن بنديت، الرئيس المشارك لكتلة الخضر في البرلمان الأوروبي إن «كثيرا مما كتبه يمكن أن يتردد على لسان أي سياسي يميني، وسيكون من السهل الآن طرح التساؤلات حول الكثير من الجدل الدائر حول المهاجرين والأصولية الإسلامية».

وقد يكون أوضح دليل على وجود تغيير في اللهجة في هذه المرحلة المبكرة هو الطريقة التي تحاول بها الأحزاب المعادية للمهاجرين كبح جماح أعضائها، حيث تم فصل جاك كوتيلا من عضوية الجبهة الوطنية بسبب تصريحه على المدونة الخاصة به بأن برييفيك قد أصبح «رمزا»، ثم استبدل ذلك بملاحظة تقول إنه ندد بما قام به برييفيك.

وكتب إريك هيلسبورن، وهو سياسي محلي لحزب الديمقراطيين السويديين، في بلدة فاربيرغ الجنوبية، على مدونته قائلا «لم تكن مثل هذه المأساة لتحدث لو كانت النرويج تضم الشعب النرويجي فقط»، حسب ما جاء في صحيفة «هالاندس نايثر» المحلية. ونأى جيمي اكيسون، زعيم حزب الديمقراطيين السويديين، بنفسه عن مشاعر هيلسبورن خلال تصريحاته لصحيفة «سفينسكا داجبلاديت» يوم الأربعاء، وقال: «لا يمكنك إلقاء اللوم على تصرفات الأفراد بشكل اجتماعي من هذا القبيل».

وفي حديثه لأحد البرامج الحوارية الإذاعية يوم الاثنين، قال ماريو بورغيزيو، وهو نائب إيطالي في البرلمان الأوروبي: «يمكننا أن نتفق بكل تأكيد» مع بعض مواقف برييفيك فيما يتعلق بالتهديد الإسلامي لأوروبا، ووصف هجمات أوسلو بأنها «خطأ من مجتمع متعدد الأعراق»، ووصف هذا النوع من المجتمع بأنه «مثير للاشمئزاز».

ومن جانبه، قال وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، وهو عضو في حزب شعب الحرية الذي يتزعمه رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني، إنه يتعين على بورغيزيو أن يقدم «اعتذارا شخصيا» للنرويج، وهو ما فعله بالفعل يوم الأربعاء.

وقد سعت الجماعات اليمينية المتطرفة الأخرى إلى أن تنأى بنفسها عن برييفيك وما قام به وعن أعمال العنف بشكل عام. وبعد ورود تقارير بأن برييفيك كان على اتصال مع رابطة الدفاع الإنجليزية اليمينية، أصدرت الرابطة بيانا هذا الأسبوع قالت فيه إنه «يمكن القول بشكل قاطع إنه لم يكن هناك أي اتصال رسمي بينه وبين رابطة الدفاع الإنجليزية».

ومن جهتها، شكلت الشرطة الأوروبية (يوروبول) فرقة للتحقيق في التهديدات التي تواجه الدول الاسكندينافية والعلاقات بين الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا. ويشعر بعض المسؤولين بالقلق من أن يكون برييفيك جزءا من شبكة منظمة تضم غيره من المتطرفين. وقامت الشرطة في ولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية بمداهمة 21 منزلا يوم الأربعاء في إطار التحقيق مع مجموعة تنتمي لليمين المتطرف، ونفت الشرطة وجود علاقة بين ذلك وبين أحداث أوسلو.

وفي الوقت نفسه، ثمة مناقشات حول كيفية اتخاذ إجراءات صارمة ضد المتطرفين، بما في ذلك تكثيف عملية المراقبة على مجموعات الدردشة على الإنترنت. وقد جدد أندريا ناهليس، وهو عضو بارز في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، دعوة الحزب لحظر الحزب الوطني الديمقراطي المتطرف. ومع ذلك، يقول خبراء إن حظر الأحزاب السياسية يمكن أن يؤدي إلى نتيجة عكسية، حيث يمكن أن يشجع فلسفة الرفض التي تؤدي إلى العنف.

كما يبدو أن إغلاق اتصالات المتطرفين على الإنترنت أمر شبه مستحيل، حسب تصريحات بيتر مولنار، وهو خبير في قانون حرية التعبير وأحد مؤسسي مركز دراسات الإعلام والاتصال بجامعة أوروبا الوسطى في بودابست. وأضاف أن «ذلك يشبه محاولة القفز على الظل».

- ساهم في إعداد التقرير إليزابيتا بوفوليدو من روما وسكوت سايار من باريس وكريستينا أندرسون من استوكهولم وفيكتور هومولا من برلين.

29-07-2011

المصدر/ جريدة الشرق الأوسط

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+