باريس- المهاجرون السريون في فرنسا يحتملون الألم والموت على العودة إلى الوطن

الإثنين, 22 غشت 2011

مع عاشر أيام الشهر الكريم، صدمت سيارة في أحد شوارع الدائرة الثالثة عشرة من باريس، عاملا مغربيا كان يقطع الشارع في طريقه إلى محل البقالة الذي يعمل فيه. لكن العامل، رغم إصابته بكسرين في الأطراف، سارع إلى النهوض والهرولة بعيدا عن المكان قبل استدعاء الشرطة. لقد فضل التنازل عن حقه وتحمل الألم ونفقات العلاج على أن يتم ضبطه واقتياده إلى محكمة إدارية سريعة تحكم بطرده من فرنسا لأنه يقيم فيها دون رخصة قانونية.

وفي إطار خطة مقررة للتصدي لمشكلة الهجرة السرية، تسعى دوائر وزارة الداخلية الفرنسية إلى بلوغ رقم قياسي، هذا العام، يتمثل في طرد 30 ألف مهاجر يقيمون في البلاد بصورة غير نظامية. ووصف كلود غيان، وزير الداخلية، هذا الرقم بأنه سيكون «أفضل نتيجة تاريخية» تحققها وزارته مع انتهاء 2011. وكان غيان قد أضاف 2000 مهاجر إلى الهدف الذي كان قد حدده وزير الداخلية السابق، بريس هورتفو.

وبسبب التشدد الرسمي في محاربة الهجرة غير «المنتقاة»، فإن الكابوس الذي يلاحق مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين، وبينهم نسبة كبيرة من العرب، يتمثل في الوقوع بيد دورية للشرطة تطالبهم بإبراز بطاقة الإقامة. وأعلنت دوائر وزارة الداخلية أنها «اقتادت إلى الحدود» 17 ألف مهاجر خلال النصف الأول من العام الجاري، أي بزيادة نسبتها 4 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي. و«الاقتياد إلى الحدود» هو التعبير المهذب الذي تستخدمه الوزارة في بياناتها ويعني الطرد بالقوة. ويتيح قانون جديد للتعامل مع المهاجرين مزيدا من المرونة لمراكز الاحتجاز التي يتم اقتياد المضبوطين إليها، قبل التسفير، لأن مواده تسمح بتمديد فترة الاحتجاز الإداري التي كانت محددة في السابق.

ويتبادل المهاجرون النصائح والخطط حول أفضل السبل لتجنب الدوريات وتفادي المواقع السياحية التي ينتشر فيها أفراد الشرطة الراجلون. لكن الاعتماد على نصائح السابقين أو على الحظ قد لا يكون ناجحا. وقد فقد بائع جوال غير نظامي حياته في باريس، أول من أمس، بعد أن تعرض لصعقة كهربائية وهو يقفز إلى نفق المترو هربا من دورية مفاجئة. ورغم تطوع جمعيات إنسانية عديدة للدفاع عن المهاجرين، خصوصا العائلات التي لها أطفال في سن الدراسة، فإنه من غير النادر وقوع حوادث مؤسفة تفضي إلى وفاة المطرود وهو يحاول، بكل قوته، مقاومة أفراد الشرطة الذين يقتادونه للزج به، مكبلا، في طائرة تغادر إلى البلد الذي هرب منه. وهناك بين المهاجرين معارضون للأنظمة الحاكمة في بلدانهم، ممن تنتظره أحكام بالسجن أو حتى الإعدام. لكن السلطات الفرنسية لم تقتنع بمبررات منحهم حق اللجوء السياسي أو حتى الإنساني. ويبلغ الأمر ببعضهم إلى ادعاء الميول الجنسية المثلية لكي يقنع المنظمة المختصة بدراسة ملفات اللجوء بأنه مطارد في بلده ومعرض لخطر القتل. كما تعمد نساء أفريقيات إلى استعمال ورقة الخوف من إجبارهن على ختان بناتهن في البلد الأصلي.

وعادة ما ترفع السلطات من حماستها لردع الهجرة العشوائية لصالح ما يسمى بـ«الهجرة المنتقاة»، في مواسم الانتخابات الرئاسية، كسبا لأصوات اليمين. لكن الوزير غيان يؤكد في تصريحاته على أن تنظيم الهجرة هو «أولوية وطنية تتعلق بالنظرة المستقبلية للبلد». وحسب الوزير فإن لفرنسا تاريخا وجذورا وثقافة وكيانا اجتماعيا وقانونيا تمتد عميقا في النفوس ويتمسك بها الفرنسيون. وهو يدعو المهاجرين إلى تبني هذه «الحضارة» والاندماج في المجتمع وإلا انزلق البلد نحو الطائفية وتصادم الثقافات والمجموعات العرقية، كل منها بما تحمله من تاريخ وعقيدة. وهي مواجهة يعتبرها غيان معاكسة لفكرة البلد الموحد.

يذكر أن فرنسا تمنح، سنويا، 200 ألف تأشيرة لهجرة شرعية إليها. وهو أكبر رقم بين كافة بلدان أُوروبا الغربية. لكن الوزير كشف عن رغبته في تخفيض العدد إلى 180 ألفا.

21-08-2011

المصدر/ جريدة الشرق الأوسط

«آذار 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031
Google+ Google+