مدريد- تفاعل أزمة المقابر في إسبانيا مع عرقلة اليمين بناءها

الثلاثاء, 13 شتنبر 2011
تعاني الجالية المسلمة في إسبانيا أزمة عدم توافر المقابر الإسلامية، والتي تقدّر حاليًا بنحو 10 مقابر فقط لنحو مليون ونصف مليون مسلم في كامل التراب الإسباني. هذه الأزمة المتفاعلة، التي يقف وراءها اليمين المتطرف، أدت إلى ارتفاع عمليات ترحيل الموتى بنسبة 90 % خلال السنوات الأخيرة.

تواجه الجالية المسلمة في إسبانيا أزمة خفية لا يمكن تجاوزها وتناسيها مع مرور الزمن، لأنها تمثل حقًا بشريًا يتعلق بدفن الموتى المسلمين في مقابر إسلامية تعدّ نادرة ومحسوبة على أصابع اليد، مما أدى إلى ارتفاع عمليات ترحيل الموتى بنسبة 90 % خلال السنوات الأخيرة، وبتكاليف باهظة تفوق 4 آلاف يورو.

والسبب هو أزمة بناء مقابر إسلامية تحرّكها عراقيل بيروقراطية وتيارات سياسية من اليمين، التي تقف في وجه المنظمات والجمعيات الإسلامية في إسبانيا، وتحاول بمختلف الطرق القانونية إيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمة التي يحرّكها في غالب الأحيان رؤساء بلديات تنتمي إلى حزب اليمين ولجان أحياء لا تريد أن يدفن المسلمون في مقابر مسيحية أو إسلامية على مقربة من بلدياتهم.

فالجالية المسلمة في إسبانيا تعاني أزمة عدم توافر المقابر الإسلامية، والتي تقدر حاليًا بنحو 10 مقابر إسلامية مخصصة فقط لنحو مليون ونصف مليون مسلم في كامل التراب الإسباني ..غير أنه يمكن عدّ مقبرتين فقط مخصصة بكاملها للمسلمين.

حيث توجد المقبرة الأولى في ضواحي العاصمة مدريد في منطقة "غرينيون" والثانية في منطقة "فوانخيرولا" قرب مدينة ملقا في جنوب إسبانيا، فرغم الاتفاق المبرم بين الحكومة الإسبانية والهيئة الإسلامية في إسبانيا منذ أكثر من 20 عامًا، إلا أن بوادر أزمة بناء المقابر لم تُحلّ بسبب البيروقراطية وعدم تمكن الهيئات الإسلامية عبر مختلف الأقاليم  في التحصل على رخص قطع أرض لتخصيصها كمقابر للجالية المسلمة.

أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع عمليات ترحيل الموتى المسلمين، وأكثرهم من جنسية مغربية، من أجل دفنهم في ارض الوطن، حيث تشير آخر الإحصائيات التي حصلت عليها "إيلاف" إلى ارتفاع عمليات الترحيل بنسبة 90 %، رغم أن تكاليف هذه العملية باهظة جدًا، وتقدر بأكثر من 4 آلاف يورو، وليست بالعملية السهلة عندما يتعلق الأمر بنقل جثمان ميت من بلد إلى بلد آخر لصعوبة الإجراءات القانونية.

10 مقابر إسلامية لأكثر من 1.5 ميلون مسلم

يرى محمد خرشيش المشرف على الشؤون الاجتماعية وتنظيم عمليات دفن المسلمين في المركز الإسلامي في مدريد، أن عدد المقابر الإسلامية في إسبانيا غير كاف  إطلاقًا، لأن عدد الجالية المسلمة في تزايد وارتفاع، وقد فاق عدد المسلمين في إسبانيا مليون ونصف مليون مسلم.

ويقول خرشيش في حديثه لـ إيلاف إن على الحكومة الإسبانية الالتزام بتطبيق بنود الاتفاقية المبرمة مع اللجنة الإسلامية عام 1992، حيث وعدت الدولة الإسبانية بتخصيص مقابر خاصة بالمسلمين عبر كامل أنحاء البلاد، لكن هذا لم يتحقق، ويضيف إنه حاليًا لا توجد إلا 10 مقابر للمسلمين عبر كامل التراب الإسباني يمكن وصفها بأنها مقابر إسلامية.

عن الصيغة القانونية للمقابر الإسلامية في إسبانيا، يرى محمد خرشيش أن القانون الإسباني واضح في هذا الشأن من خلال تكفله بحق الجالية المسلمة في بناء مقابر إسلامية أو تخصيص مساحات أرض داخل مقابر مسيحية للمسلمين، لكنه يعتبر أن هناك تهربًا قانونيًا رسميًا من هذا الحق، خاصة في ما يتعلق ببعض الحالات.

ويقف هنا في حديثه مشيرًا إلى  مقبرة غرينيون في ضواحي العاصمة مدريد، والتي تعدّ اهم مقبرة إسلامية في إسبانيا، ويقول "هذه المقبرة منحت من قبل الجينرال فرانكو إلى الجنود المغاربة الموالين له خلال فترة الحرب الاهلية الإسبانية، وهناك دفن الكثير من الجنود المغاربة.

وفي الوقت الراهن تحولت هذه المقبرة لتخصص فقط للمسلمين، لكن وضعها القانوني غير واضح، حيث علقت لافتة على مدخل المقبرة، كتب عليها المقبرة الإسلامية وزارة الدفاع، وهذا يعني أن هذه الارض تابعة لوزارة الدفاع الإسبانية، وليست للمسلمين ...

4 آلاف يورو لنقل موتى المسلمين إلى أرض الوطن

تتراوح تكاليف نقل موتى المسلمين لدفنهم بأرض الوطن - هنا نشير بالتحديد إلى أبناء الجالية المسلمة من أصل مغربي باعتبارهم يمثلون غالبية الجالية-  ما بين 3 آلاف يورو لتتعدى 4 آلاف يورو، وهذا مكلف بالنسبة إلى أهل الميت، وخاصة في ظروف مالية واقتصادية عسيرة على أهل الميت.

وهذا ما يؤكد عليه مسؤول الشؤون الإجتماعية في المركز الإسلامي في مدريد "نحن كما تعلمون نعيش ازمة إقتاصدية خانقة هنا في إسبانيا وأوروبا، وتكاليف نقل الميت إلى أرض الوطن تفوق نحو 4 آلاف يورو فقط، إن تعلق الأمر بنقل الميت إلى دول من دول المغرب العربي.

ولكنني أريد الإشارة والتنبيه إلى نقطة مهمة، فعملية نقل الجثة إلى البلد الأم في الحقيقة غير ضروري في حالة وجود مقابر إسلامية، وذلك تجنبًا لنقل الميت والتكاليف الناجمة من ذلك، وفي الحقيقة لا داعي لذلك، وانتم تعلمون أن البعض يريد خلط العادات والتقاليد بالدين، وهذا غير صحيح إطلاقًا، ونحن في الحقيقة نخرق الشرع عندما يتعلق الأمر برغبة الميت أو أهله، لكن علينا أن نتجنب التكليف فوق الطاقة وإسراف أموال قد تنجر عن ذلك..".

يقف محدثنا مجددًا لربط ظاهرة نقل موتى المسلمين إلى بلدانهم بأزمة نقص المقابر الإسلامية، والتي أدت في غالب الاحيان بعائلات موتى المسلمين إلى نقل جثمان الميت، لكي لا يدفن في مقابر مسيحية، حتى وإن كانت هناك مساحات مخصصة للمسلمين فيها.

فمعدل الوفيات لدى الجالية المسلمة في إسبانيا، حسب ما علمته إيلاف، يتراوح ما بين 3 إلى 7 أسبوعيًا- مسلمين من دون ذكر الجنسية - وفي غالب الأحيان ينقل الميت إلى بلده، والمعدل من 10 وفيات قد يدفن 3 منهم في المقبرة الإسلامية، والبقية تتم نقلهم إلى أوطانهم للأسباب السالفة الذكر، والسبب دائمًا مرتبط بنقص المقابر الإسلامية، خاصة في البلدية الإسبانية البعيدة عن عواصم الأقاليم المعروفة.

انتشار تبرعات أهل الخير للدفن

يقول عبد العزيز (مهاجر مغربي) إنه خلال السنوات الأخيرة، قد انتشرت ظاهرة التبرعات الخيرية لنقل أو دفن الموتى المسلمين إلى جانب لجوء عدد من أبناء الجالية المسلمة إلى إبرام عقود تأمينات مع بنوك إسبانية لها فروع على سبيل المثال في المغرب او دول إسلامية أخرى للتكفل بنقل جثمان الميت ودفنه في أرض الوطن.

ويرى المهاجر المغربي أن هناك جدلاً واسعًا في أوساط الجالية المسلمة القاطنة في أوروبا بخصوص أمر تأمينات على الحياة، ودعا عبر صفحات إيلاف أهل العلم والشرع إلى إرشاد المسلمين بفتاوى تتعلق بهذا الأمر.

على جانب آخر، يقول مصطفى- مهاجر جزائري قاطن في مدينة فالنسيا – إن الجالية المسلمة بحاجة ماسة إلى جهاز مالي إسلامي يتكفل بموتى المسلمين من نقل إلى أرض الوطن إن لم تتوافر مقبرة إسلامية في المنطقة.

ويرى أن تبرعات أهل الخير في بعض المرات ليست كافية، وهذا ما يعطّل دفن الميت أيامًا، ويروي في حديثه لـ إيلاف حالات عدة عاشها، سواء في فلنسيا او أقاليم إسبانية أخرى.

المجالس البلدية تعلن حق الفيتو أمام بناء المقابر الإسلامية

ترتبط أزمة بناء المقابر الإسلامية في إسبانيا في أصلها بعراقيل وفيتو تعلنه غالبًا أعضاء مجالس بلدية إسبانية، وتنتمي في غالبيتها إلى أحزاب اليمين، ومن خلال قراراتها تعطّل حق الجالية المسلمة في حصولها على قطعة أرض، سواء بالملكية او الإيجار، من أجل تخصيصها كمقبرة إسلامية، رغم أن القانون واضح في المعاهدة التي وقعت بين الهيئة الإسلامية الإسبانية والحكومة عام 1992.

فالجمعيات الإسلامية في مختلف أنحاء إسبانيا تواجه عراقيل من قبل المجالس البلدية، خاصة التي يحكمها أحزاب اليمين، حيث يمتنع أعضاء المجلس البلدي عن منح قطعة أرض للجمعيات الإسلامية من أجل تخصيصها كمقبرة إسلامية عن طريق الشراء او التأجير لمدة خمسة أعوام، رغم أن بعض البلديات في مختلف الأقاليم الإسبانية تنازل عن قطع أرض داخل المقابر المسيحية من أجل تخصيصها كمقبرة إسلامية، كما هو الحال في مدينة فالنسيا وبرشلونة.

غير أن بعض الجهات كانت قد احتجت على ذلك، وذكرت عبر وسائل الإعلام المحلية أن أزمة المقابر الإسلامية لا يمكن حلها بهذه الطريقة، وطالبت بعض لجان الأحياء بإبعاد المقابر الإسلامية عن المسيحية.

على جانب آخر، هناك مشكلة بيروقراطية يواجهها أهل الميت تتعلق بعدم حصولهم على رخص الدفن في غير بلديات إقامتهم، وهذا ما أدى بالعديد من الجمعيات الإسلامية إلى الاتصال بالمركز الإسلامي في مدريد لنقل الموتى المسلمين عبر بلديات متعددة في انحاء إسبانيا، ودفنها في مقبرة غرينيون في مدريد، وهي المقبرة الوحيدة التي يمكن أن تستقبل كل موتى المسلمين عبر كامل التراب الإسباني.

13-09-2011

المصدر/ جريدة إيلاف

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+