ستوكهولم - احتدام الجدل في السويد حول المدارس الإسلامية وانقسام على شرعية عملها واستمرارها

الثلاثاء, 11 أكتوير 2011
بين مؤيد ومُعارض، يستمر الجدل في المجتمع السويدي والأوساط السياسية، حول الجدوى من وجود المدارس الدينية الإسلامية التي تمارس نشاطها منذ سنوات طويلة في السويد.

وباستثناء حزب الديموقراطيين السويديين، المعروف بعدائه العلني والصريح للمهاجرين، يُعبر بعض السياسيين عن مواقف غير مؤيدة لاستمرار عمل هذه المدارس. ومنهم من يعتقد أن وجود هذه المدارس هو إقحام للأطفال في القضايا الدينية، أياً كانت، وزجهم في مناهج دراسية من شأنها التأثير سلباً في مستواهم وتفكيرهم وإدراكهم، إضافة إلى تأطير عقليتهم بمفاهيم معينة، فيما يرى آخرون أن المدارس الدينية الإسلامية ربما لن تجد متسعاً لقبول الآخر في المجتمع السويدي الذي تتعايش فيه ثقافات من مشارق الأرض ومغاربها. ويتفق كثيرون على أن هذه المواقف لا تنطلق من عداء للإسلام كما يروج البعض، وإنما من الشعور بالخطر على «منظومة القيم الاجتماعية والثقافية للمجتمع السويدي».

ووفقاً لعضو الهيئة التنفيذية لحزب الشعب الليبرالي (فولك بارتيت) والنائب في البرلمان السويدي عن الحزب روجر حداد، فإن أحد محاور مؤتمر الحزب المقرر عقده قريباً، هو مناقشة المقترح المقدم من محافظة سودرملاند، بخصوص منع المدارس الدينية، إذ يقول حداد وهو من المؤيدين للفكرة، إن المقترح قسّم الحزب إلى أكثرية رافضة وأقلية مؤيدة.

ويشدد حداد الذي يؤلف حزبه مع ثلاثة أحزاب سويدية أخرى كتلة يمين الوسط الحاكمة، لـ «الحياة»، على «ضرورة التزام جميع المدارس الموجودة في السويد، دينية كانت أم غير ذلك، بالقانون السويدي، مشيراً إلى أن قانوناً صدر في الأول من تموز (يوليو) 2011، يقضي بمنع إعطاء أي حصة دينية في الأوقات المخصصة للمناهج الدراسية الأخرى.

 

لكن ما الذي يهدف إليه إنشاء مدارس دينية إســلامية في بلد أوروبي؟ ثم ألا تجعل تنـــشئة الأطفــال على أسس ديـــنية ضمن مراحل عمرية معينة ثم زجهم في المجتمع الســويدي العلماني ازدواجية في الشخصية، تجعلـــهم متأرجحين بين قبول ورفض عالمهم الواقعي الذي يعيشون فيه وآخر ديني تربوا عليه؟

«بناء شخصية متوازنة»

يحدد عبدالله المصري المسؤول العام عن المدرسة الإسلامية في يوتوبوري، ثالث كبريات المدن السويدية، أهمية هذه المدارس في «بناء الشخصية المتوازنة التي يستطيع من خلالها الطفل الحفاظ على عقيدته والانسجام مع مجتمعه»، ويشير إلى ما في ذلك من شعور بـ «الأمان» يتلمسه لدى الأهل والطفل معاً.

ويقول المصري الذي تقع مدرسته في منطقة انكريد التي تسكنها غالبية من المهاجرين المتحدرين من أصول عربية مختلفة: «تحرص المدرسة على أن تُقدم الإســلام للطلاب بطريقة تمنع اصطدامهم مع القيم الموجودة في المجتمع الذي يعيشون فيه».

وفي السويد ست مدارس إسلامية دينية، هي: الأزهر، المدرسة الإسلامية في ستوكهولم، مدرسة الأزهر في مدينة أوربرو، مدرسة الإيمان في مدينة أوبسالا، مدرسة «روسموس» في مدينة يوتوبوري – غوتنبورغ والمدرسة الإسلامية في مدينة فيكخو، وجميعها منضوية في اتحاد المدارس الإسلامية الذي تأسس عام 2001.

ويعيش في السويد قرابة 400 ألف مسلم من مجموع ما يزيد عن مليون مهاجر، تقطن غالبيتهم في ستوكهولم العاصمة ويوتوبوري ومالمو. وللمسلمين بجميع طوائفهم مساجدهم ودور عبادتهم وأنديتهم واتحاداتهم الخاصة، يمارسون فيها شعائرهم الدينية المختلفة بحرية كاملة.

ويؤكد المصري أن المــناهج الدراسية التي تستند إليها المدارس الإسلامية هي المناهج نفسها التي تعتــمدها المدارس السويدية إضافة إلى حصتين أســـبوعياً باللغة العربيــة، ومثلهما بالتربية الإسلامية وحصة باللغة الأم، موضحاً أن المدرسة تهـــتم بالطلاب من المرحلة التمهيدية وحتى الصف التاسع وأن هـــناك إقـــبالاً كبيراً من الأهل على تسجيـــل أبنـــائهم، إذ يـــبلغ عدد الطلاب الدارسين في المدرسة 410 طلاب فيما تضم الهيئة التدريسية 65 مدرّساً، من ضمنهم 40 معلماً ومعلمة سويديين.

وعلى رغم أن السويدية هي اللغة الرسمية في البلد، هناك حصة أسبوعية من ساعة واحدة باللغة العربية، وتشدد المدارس السويدية للوالدين على ضرورة تسجيل أبنائهم في هذه الحصة، «كي لا يفقد الأبناء جسر التواصل مع بلدهم، وكي يستـــطيع أولياء الأمور التواصل مع أبنائهم بلغتهم».

ويبين المصري أن المدرسة تسعى إلى خلق «شخصية المسلم المتوازنة» لدى الطالب، أي البعيدة عن «التطرف» و «الطابع الأوروبي»، وأن مصلحة تفتيش المدارس مسؤولة عن مراقبة أداء وكفاءة التدريس، وتقوم بزيارات دورية مستمرة لهم، ويوضح أن للمدرسة علاقات مع بعض المدارس الدينية الإسلامية في أوروبا.

ويضيف «أن الدراسة في المدارس الإسلامية تشمل المرحلة التمهيدية وصولاً إلى الصف السادس أو التاسع، معتبراً ذلك «كافياً لتوفير الوقاية للطالب».

وبفعل الاختلاف الثقافي الكبير بين المجتمع السويدي والمجتمعات العربية أو الشرق أوسطية وصعوبة الاندماج، يلجأ عدد من العائلات إلى تسجيل أبنائه في المدارس الدينية، إذ يرى في ذلك وقاية وحماية لهم من «الانفتاح» و «الاستقلالية» العاليتين اللتين ينعم بهما البلد.

دور الانتخابات

وعلى رغم أن غالبية الأعضاء في حزب حداد لا يمانعون وجود مدارس دينية إسلامية، غير أن حداد يعبر عن رأيه الشخصي كسياسي برلماني لجهة «أن الدين يجب أن لا يكون جزءاً من تعليم الأطفال، وعلى الوالدين أن يمنحا أبناءهما متسعاً من الحرية لاختيار مدارسهم بحياد تام ومن دون أية ضغوطات».

وبسبب الثقل الكبير الذي يشكله المهاجرون في السويد وتأثيرهم في الانتخابات الســويدية، تطرح الأحزاب السويدية في أجنداتها، أفكاراً أو قرارات من شأنها استقطاب أكبر عدد من أصوات المهاجرين. تشتد هذه الحالة قبيل الانتخابات التي تجرى في أيلول (سبتمبر) كل أربعة أعوام، وآخر دورة انتخابية كانت عام 2010.

وتنشر الصحافة السويدية بين الحين والآخر نقاشات لمشاريع قرارات تهم التربية والتعليم، ليس آخرها مشروع لم ينجح في التحول إلى قرار، يقضي بمنع ارتداء الطلاب أكسسوارات تشير إلى رموز دينية مختلفة، إلا أن الحريات الواسعة التي تشهدها السويد، أنتجت وجهة نظر ثالثة، ترفض أية سلوكيات من شأنها التأثير في تفكير الطالب أو حرف مساره لمصلحة جهة دون أخرى، لكنها في الوقت نفسه تحاول دائماً الوقوف مع الحريات الخاصة ومن ضمنها حرية المعتقد والتدين.

11-10-2011

المصدر/ جريدة الحياة (السعودية)

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+