باريس- مسلمو فرنسا يخشون على مستقبل التعايش الثقافي بعد أحداث تولوز

الخميس, 29 مارس 2012

طالما عرفت هذه المدينة المشمسة التي تضم مباني مشيدة بالطوب الأحمر والواقعة على مقربة من الحدود الإسبانية وحدود البحر المتوسط، بوصفها موطنا للترحيب بالوافدين وثقافة التعددية، لكونها بمعزل عن سياسات باريس المخادعة. فعلى النقيض من معظم أجزاء جنوب فرنسا، ليس لتيار اليمين المتطرف، بموقفه المتعصب المناهض للمهاجرين، وجود كبير هنا، وكذلك الإسلام المتشدد.

غير أن تولوز ليست بمنأى عن التفرقة العنصرية أو معاداة السامية أو الجريمة أو التفرقة الاجتماعية، ولكن مع ثقافة تميزها أمواج متتابعة من الهجرات، توصف من قبل قاطنيها على أنها مدينة التسامح. نزح مئات الآلاف من الإسبان هروبا من حكم فرانكو الديكتاتوري في إسبانيا إلى فرنسا بعد الحرب الأهلية الإسبانية، واستقر كثير منهم هناك. وكذلك فعل المواطنون الفرنسيون الذين رحلوا من الجزائر بعد استقلالها عن فرنسا في عام 1962، فضلا عن آلاف اليهود، وإضافة إلى مجموعة من الجامعات ومراكز الأبحاث، توجد شركة الطائرات العملاقة «إير باص»، التي تجذب مهندسين وعلماء من شتى بقاع العالم.

من ثم، فإنه عندما يتحدث المسلمون عبر أنحاء فرنسا عن شعورهم بالدونية، استطاعت تولوز تخفيف حدة التوترات التي تحيط بالإسلام. ويقول محمد تاتاي، إمام مسجد النور في حي إمبالو الفقير: «بالفعل من وقت لآخر، نكون ضحايا خطاب سياسي مقيت». وأضاف أنه رغم ذلك، فإن مثل هذا النمط من الحوار عادة ما يكون آتيا من خارج المدينة، وغالبا ما يكون ذلك في وقت انعقاد الانتخابات. وأضاف: «بعد ذلك، يتسنى لنا العودة إلى حالة الهدوء مجددا».

ورغم ذلك، فإن ثمة مخاوف من أن يغير محمد مراح ذلك الوضع. ووقعت جرائم القتل السبع الوحشية التي ارتكبها هذا الشهر مراح، ابن تولوز الذي يبلغ من العمر 23 عاما، خلال فترة حملة انتخابات الرئاسة المثيرة، بالأساس، لروح الخلافات والشقاق، والتي انحرفت بالفعل باتجاه قضايا الهجرة والإسلام. ومع زعم المحققين بأن مراح كان في واقع الأمر جهاديا تبنى النهج المتطرف من تلقاء نفسه، فإن آيديولوجيته العنيفة تتماثل تماما مع بعض النماذج الفرنسية من المسلمين، ويخشى المسلمون هنا من أن تستمر التوترات التي نجمت عن جرائم القتل الوحشية لفترة أطول.

وقال عمدة المدينة بيير كوهين، معلقا عن جرائم القتل: «لا يتوافق كل هذا على الإطلاق مع طبيعة تولوز. لقد خرجنا للتو من فترة تعج بالتوترات. ولسوء الحظ، الخطر ما زال قائما». وأشار كوهين إلى أنه قد سرت بالفعل شائعة خاطئة بمختلف أنحاء المدينة مفادها أن المسلمين ينظمون مظاهرة دفاعا عن مراح.

«سيكون هناك (قبل) و(بعد)»، هكذا تحدث ياسين المؤمن، 23 عاما، الشاب ذو الوجه المستدير والعينين الزرقاوين والشعر القصير المموج. وقال المؤمن: إن هناك بالفعل «حوارا» بين الثقافات في تولوز، ويحظى المسلمون بمعاملة جيدة. لكنه ذكر أنه، ومسلمين آخرين، يعيش كثير منهم في الأحياء الفقيرة الواقعة على أطراف وسط مدينة تولوز، قد بدأوا بالفعل يلاحظون نظرات محدقة مرتابة لم تكن معهودة من قبل في هذه المدينة. وتحدث المؤمن بنبرة سخط قائلا: «تجرأ أحدهم وسألني قائلا: (هل تتفق مع ما فعله؟)».

من جانبه، دعا الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى رفض «الأكاذيب العفوية» التي أثيرت حول المسلمين الأسبوع الماضي، بعد أن لقي مراح مصرعه على أيدي قوات الشرطة الخاصة، بحسب المؤمن. وأشار إلى أن «الأكاذيب العفوية» كانت رائجة بالفعل. وقال صديق له يدعى عبد الله، عمره 19 عاما ويرتدي عباءة ذات لون كريمي أسفل سترة ذات قلنسوة: «نحن الضحايا في القصة». ورفض ذكر اسمه الكامل، لخوفه من التعرض لمضايقات من قبل السلطات الفرنسية.

ورغم نداءاته مرارا وتكرارا في الفترة الأخيرة بإعلاء قيمة المساواة، يقول كثير من المسلمين إن ساركوزي قد شوه سمعتهم بصور كثيرة، مستشهدين بأمثلة أبرزها قانون صدر في عام 2010 يحظر ارتداء النقاب، والجدال حول «الهوية الوطنية».

وقد كانت مارين لوبن، مرشحة حزب الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) لانتخابات الرئاسة، حادة في رد فعلها تجاه جرائم القتل. وقالت يوم الأحد الماضي: «ما حدث ليس مسألة جنون من جانب شخص واحد؛ إنما هو بداية لتقدم الفاشية الخضراء في بلدنا». وتساءلت قائلة: «كم هناك من محمد مراح في القوارب وفي الطائرات التي تصل فرنسا كل يوم محملة بالمهاجرين؟».

شجب القادة المسلمون تلك المحاولات الرامية لاستغلال حوادث القتل سياسيا. وطالب محمد موسوي رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، في بيان أصدره بعد فترة وجيزة من مقتل مراح الأسبوع الماضي، بالامتناع عن استخدام مصطلح «الإسلاموية»، لأنه «يغذي حالة الخلط بين الإسلام والإرهاب ويتسبب في معاناة الملايين من المسلمين الذين يشعرون أنه من الضروري الدفاع عن كرامة عقيدتهم ودينهم».

وفي تولوز، أدى المؤمن وصديقه صلاة الجمعة في مساجد بضاحية ميرايل، وهو عبارة عن ساحة صلاة مؤقتة بديلة في مبنى مؤقت على أطراف مساحة لوقوف السيارات تابعة لمركز تجاري، أسفل مسارات السكك الحديدة المرتفعة في نهاية الخط «أ» من مترو الأنفاق. ويقول مامادو دافي، إمام مسجد ميرايل، الذي ولد في مالي، إنه لم يكن أبدا هدفا لمثل العدد الكبير من التعليقات العنصرية في مدينة تولوز، ويضيف دافي: «لم أكن مطلقا هدفا لتلك التعليقات. ربما تكون تلك مفاجأة، لكنها الحقيقة». ويصف دافي، الذي يعمل باحثا في مجال الصيدلة، نفسه بأنه مسلم معتدل، وواحد من أنصار «الإسلام المحلي» الذين يعظون في فرنسا.

لكن في خطاب وجهه إلى مئات الرجال الذين احتشدوا في المسجد يوم الجمعة – بعضهم كانوا يرتدون عباءات بيضاء وذوي لحى كثيفة ويرتدون قبعات ضيقة، غير أن السواد الأعظم منهم كان يرتدي بناطيل جينز ومعاطف جلدية – تحدث بلهجة غاضبة عن «صور الظلم» التي تمارس بحق المسلمين في فرنسا، وعلى وجه الخصوص في أعقاب جرائم القتل.

وطالب الساسة بكبح جماح الغضب، على حد قول دافي، لكن بعض الساسة قد دأبوا منذ عهد بعيد على إشعال جذوة الكراهية نفسها التي يطالبون الآن بإطفائها. ومع ذلك، فقد ناشد المخلصين بأن يكونوا قدوة يحتذى بها في سلوكياتهم. وقال: «نحن نتحمل المسؤولية عن الصورة التي ألصقت بالإسلام، ذلك الدين السمح». وأشار دافي إلى أنه من خلال الجرائم التي اعترف مراح بارتكابها باسم الإسلام، «وضعنا الله موضع اختبار». وترأس زميله الإمام تاتاي، مشروعا لبناء مسجد كبير في مدينة تولوز. وقبل عقد مضى، أبدت السلطات المحلية معارضتها، حسبما يتذكر تاتاي، لكنها رحبت تدريجيا بالفكرة. وقد أوشكت أعمال إنشاء المبنى ذي القبة والمتعدد الطوابق على أطراف حي إمبالو، بجوار الطريق السريع، على الانتهاء الآن. (سيكون المسجد مفتوحا للزوار من غير المسلمين، في غير ساعات العبادة). وقال تاتاي: «بالطبع، هناك خوف من حدوث أثر رجعي للأسبوع الأسود الذي عايشناه للتو». وظلت نبرة صوته تفاؤلية وهو يقول: «إنه اختبار للإرادة وحكمة الحكماء».

29-03-2012

المصدر/ جريدة الشرق الأوسط

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+