بوصوف: الحكومة لا تفرض وصاية سياسية على المهاجرين

السبت, 13 يونيو 2009

يعرض عبد الله بوصوف أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج في الحوار التالي، التحديات التي تواجه مغاربة المهجر، والمساهمات التي يمكن أن يقدمها المجلس من أجل مساعدتهم على العيش في وئام مع مجتمعات الإقامة، مع التشبث بهويتهم وخصوصياتهم الثقافية.


Lire la suite...

أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج أكد أهمية تحصين مغاربة المهجر من تأثيرات التيارات الهدامة

يعرض عبد الله بوصوف أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج في الحوار التالي، التحديات التي تواجه مغاربة المهجر، والمساهمات التي يمكن أن يقدمها المجلس من أجل مساعدتهم على العيش في وئام مع مجتمعات الإقامة، مع التشبث بهويتهم وخصوصياتهم الثقافية.

ويستعرض بوصوف المبادرات التي قام بها مجلس الجالية منذ تأسيسه قبل أزيد من سنة، مشيرا، في هذا الصدد إلى أن المجلس باعتباره مؤسسة استشرافية في قضايا الهجرة باستطاعته أن يساعد الدولة في التعامل بنجاعة مع ظاهرة الهجرة.

ينظم مجلس الجالية المغربية بالخارج منتصف شهر مارس ندوة دولية في موضوع "الإطار القانوني للإسلام في أوربا"، كيف تبلورت فكرة تنظيم هذه الندوة؟ وما هي الغاية منها؟

فعلا، قررنا في المجلس الأعلى للجالية المغربية المقيمة بالخارج، تنظيم ندوة دولية يومي 14 و15 مارس المقبل، بمدينة فاس، حول موضوع "الإطار القانوني للإسلام في أوربا". وقد استدعينا كبار المتخصصين في القانون وفي الأديان، كما تم استدعاء ممثلين سياسيين ومسؤولين دينيين، وفاعلين في الميدان.

والهدف من هذه الندوة هو تبصير الفاعل المغربي بالإطار القانوني للفعل الديني بأوربا، وتشخيص الوضعية القانونية الحالية للديانة الإسلامية، والتعريف بالتجارب المعاشة في بلدان المهجر. ومن ثم فإننا نعتبر أن هذا الموضوع يكتسي أهمية خاصة؛ لأنه سيمكن من بلورة تصور حول واقع الإسلام في أوربا، وكذا تشخيص التحديات والإكراهات التي تواجه الجالية المغربية بالمهجر، بصفتها حاملة لثقافة لها خصوصيات تختلف عن خصوصيات ثقافة بلدان الإقامة، وهو ما سيُخول للمغرب أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى حتى يباشر التأطير الديني بشكل نموذجي.

من خلال عنوان الندوة يبدو أن مثل هذه الندوات ذات الطابع الديني تدخل ضمن اهتمامات مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج. في رأيك ما موقع الإشكالية الدينية ضمن اهتمامات المجلس؟

باعتبارنا مؤسسة استشارية، نقوم بعملنا من أجل إثارة النقاش حول قضايا أساسية تواجه الجالية المغربية في مجال الممارسة الدينية. وستُشكل الندوة فرصة للتطرق إلى النموذج المغربي في التدين، والكشف عن مميزاته، ومدى قابليته للتطبيق.

ونعتقد أن الجالية العربية والمسلمة، ومنها الجالية المغربية تعيش واقعا آخر مغايرا للواقع الذي يعيشه المغاربة في بلدهم؛ حيث تواجه أسئلة تتعلق بالحركات السياسية والدينية والإغراءات التي تمارسها على أبناء الجالية، ومدى صمودها وحفاظها على هويتها الدينية... فهذه القضايا مطروحة بحدة، ولا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار. كما أن ثمة قضايا مرتبطة بالموقف من الآخرين، باعتبار أن الجالية المغربية تعيش في مجتمع متعدد الأديان، وبالتالي فإننا نريد أن نصوغ إطارا يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المعطيات؛ لأن هناك من يشكك في مدى قدرة الإسلام على التأقلم مع هذه المعطيات، وعلينا أن نثبت العكس.

عمليا، هل كانت هناك مبادرات في هذا الاتجاه، أي في مجال توعية الجالية بهذه الأمور؟

هناك جهود تُبذل، من قبيل البعثات العلمية، فقد سبق، على سبيل المثال، أن تم إرسال 30 إماما قارا إلى فرنسا في إطار دعم التأطير الديني والتربوي للجالية المقيمة بفرنسا. ونسعى في مجلس الجالية إلى تبني مقاربة شاملة؛ حيث نرى ضرورة أن تكون الأطر المشرفة على التكوين الديني على علم بما يعيشه المهاجرون في مجتمعات الإقامة، وأن تكون هذه الأطر مُلمّة بالواقع التاريخي، وأن تكون على معرفة دقيقة بالأديان الأخرى. فالهدف هو تمكين المهاجرين من التعرف على دينهم بعيدا عن تأثيرات التيارات الهدامة، والتأويلات المتشددة للدين، وأن تكون هذه الأطر ملمة بالحركات والتيارات الدينية الموجودة هناك، وقادرة على التمييز بين الطوائف الدينية. ومن الأهم أيضا، أن نقدم الكتاب الديني المناسب، ونُعرِّف الجالية بالمذهب المالكي المعتمد في المغرب، حتى يتسنى لها أن تعيش في وئام مع مجتمع الإقامة، دون أن تتخلى عن خصوصياتها وثقافتها. فمن الأهمية بمكان التعريف بهذا المذهب؛ كيف ينظر إلى الآخر وإلى المرأة... وما تصور المذهب المالكي بخصوص مجال التعايش والحوار؛ خاصة وأن هذا المذهب لم ينتج التطرف؛ فابن رشد على سبيل المثال كان مالكيا معروفا في أوربا، ومن المهم أن تُستثمر هذه الشخصية الفذة استثمارا نوعيا، إلى جانب تقديم وجوه أخرى بارزة كابن خلدون في التاريخ وعلم الاجتماع، وابن عربي في مجال التصوف. فانطلاقا من هذه الوجوه التي حفل بها التاريخ الإسلامي الإنساني يمكن أن نُحصِّن أبناء الجالية المغربية من التيارات الهدامة. وقد بدأنا في الاشتغال على هذه القضايا، وعلى سبيل المثال، جرى تنظيم أول نشاط يتعلق بالإسلام والمواطنة بهولندا استقطب أزيد من 100 إمام ناقشوا مسألة المواطنة، وحرية الإنسان في المعتقد، وحرية المرأة، وموقف الإنسان من الآخرين. وفي بلجيكا نُظّم نشاط حضره تجمع كبير من المهتمين خُصّص للحديث عن ضرورة الحوار، وموقع المسجد في المدينة، من الناحية المعمارية، وفي الحفاظ على الأمن. والهدف هو جعل الإنسان المغربي عنصر أمن واستقرار وازدهار لجميع المجتمعات، خاصة في المجتمعات الأوربية.

ما هي الأهمية التي تكتسيها ندوة "الإطار القانوني للإسلام في أوربا"؟

أهمية الندوة تتجسد في كونها تطرح النقاش حول قضية الإسلام، وعن حقوق وواجبات المسلمين في الغرب من أجل ممارسة شعائرهم؛ لأن كثيرا من المسلمين والمغاربة لا يعرفون حقوقهم، في الغرب. والمهم هو كيف نستطيع أن نوفر هذه المعرفة لأفراد الجالية في بلدان أوربا، ونضعها في يد الفاعل المغربي، ورهن إشارات الفاعلين الجمعويين في أوربا؟ ونعتقد أن مطالب الجالية يجب أن تكون في إطار قانوني، ومن هذا المنطلق استدعينا العديد من الخبراء في القانون، وفاعلين حكوميين، ورؤساء بلدية، وممثلين عن الجالية المسلمة. كما نريد أن نستوعب القضية في جانبها النظري وعلى مستوى الممارسة، لأن هناك دائما هوة بين النظري والتطبيقي. كما نسعى من وراء هذا أيضا إلى عقد شراكات مع مراكز البحث، من أجل ضمان الاستمرار في النقاش معهم في البلدان الأوربية.

ما هي الإشكالات الدينية الحقيقية التي تواجه المسلمين في أوروبا؟

المسلمون في أوربا يواجهون عدة قضايا وإشكالات يطرحون بخصوصها مجموعة من الأسئلة، من قبيل التعددية الدينية، وتغيير الدين... وهي مسألة مطروحة، كما هو الشأن بالنسبة إلى قضية الخلق، والزواج المختلط... فلابد من تقديم أجوبة حول الأسئلة التي تطرحها الجالية في الغرب. وبما أن المذهب المالكي يتحدث عن المصالح المرسلة، فإن ذلك سيساعدنا على تسهيل فهم الإسلام حتى نتمكن من إدماجه في محيطه. وتحضرني، هنا، نماذج من المفكرين والعلماء المسلمين الذين تواصلوا مع الغرب وتعايشوا معه دون مشاكل، أو عقبات، ومنهم -على سبيل المثال- الشريف الإدريسي الذي بعث أول خريطة للعالم إلى بلاط غير مسلم، وهو ما يعكس إنسانية الإسلام، ومساهمته في الحضارة الإنسانية. لا بد من استحضار مميزات الوجود الإسلامي في الأندلس؛ فالمسلم كان عنصر بناء، وازدهار، وتنمية، ولم يكن عنصر تخريب، وهذا ما نريد أن نتحدث به إلى الشباب المغربي في الغرب. وحينما نستحضر ما شيده المسلمون في الأندلس لا يخامرنا أي شك في ذلك، لقد بنوا حضارة، واعتنوا بالجانب الجمالي من خلال الاهتمام بالجانب المعماري وبالبساتين، والمصابيح المعلقة في الشوارع، إلى جانب المناظرات بين المسلمين وغير المسلمين، وهذه عوامل يمكن أن تُسعف الجالية المسلمة والعربية في الغرب في استيعاب طريقة عيش وتفكير المسلمين والعرب في فترة زمنية محددة، ومساعدتها على التأقلم والتكيف مع المجتمع الذي تعيشه، أي أن ما نسعى إليه هو تفعيل واستنطاق التاريخ من أجل إسعاف الإنسان المغربي على فهم واقعه في الغرب.

مر أزيد من سنة على تأسيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، ما هي المبادرات التي قام بها المجلس، في إطار الاختصاصات المخولة له؟

تأسس مجلس الجالية في 21 دجنبر 2007، لولاية أولى مدتها أربع سنوات. وقام بعدة مبادرات باعتباره مؤسسة استشارية مكلفة بتقديم الآراء الاستشارية لجلالة الملك في ما يتعلق بالسياسات العمومية في مجال الهجرة.

والمجلس مكلف بالاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة، واستشرافها، والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة. إنها مؤسسة استشرافية في قضايا الهجرة باستطاعتها أن تساعد الدولة في التعامل، بنجاعة، مع ظاهرة الهجرة. إضافة إلى ذلك، يقوم المجلس بمهام تعريف أفراد الجالية ببلدهم المغرب، على جميع المستويات، السياسية والاقتصادية. ويسعى المجلس، كذلك، إلى تغطية هذه المساحة في إطار احترام اختصاصات كل الجهات والأطراف المعنية والمهتمة بمسألة الهجرة، من مؤسسات وقطاعات وزارية. بعد استكمال الهيكلة واللوجيستيك والميزانية وفريق العمل، عملنا على صياغة مشروع أخذ بعين الاعتبار عدة معطيات متناسبة مع صلاحيات الظهير المؤسس للمجلس.

ما أريد التأكيد عليه، هو أن المجلس ليس مؤسسة جديدة، وإنما له صلاحيات استشارية. وقد شكلنا منذ البداية، ست مجموعات عمل، إضافة إلى لجنة خاصة مهتمة بتاريخ الهجرة.

هناك لجنة المواطنة والمشاركة السياسية، ولجنة الثقافات والتربية والهويات، والتي تهتم بالتعريف بالثقافة المغربية والهوية المغربية وتدرس العربية باعتبارها معطى أساسي.

هناك لجنة الدين والتربية الدينية، وهي لجنة تتكلف بموضوع حساس يُشكل أحد المطالب الأساسية للجالية المغربية، وأقصد المحافظة على الهوية الدينية. ونشتغل على هذا الموضوع بتنسيق وتكامل مع مؤسسة الحسن الثاني، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. هناك، أيضا، لجنة الكفاءات العلمية والتقنية والاقتصادية من أجل التنمية التضامنية، ولجنة مقاربة النوع الاجتماعي والأجيال الصاعدة.

الحديث عن الجالية المغربية بالخارج، يدفعنا إلى التساؤل حول مسألة التأطير الديني، فإذا كان الجيل الأول لم يصادف أي مشكل على هذا المستوى باعتبار أنه كان من جيل المغاربة الذين ازدادوا ونشئوا بالمغرب، فإن الأمر يختلف بالنسبة إلى الجيل الثالث والرابع، الذي قد يعتبر عملية التأطير، نوعا من الوصاية التي يمارسها المغرب عليه؟

الحكومة لا تفرض أية وصاية سياسية على الأجيال الصاعدة من المهاجرين المغاربة في أوربا، نسعى فقط، إلى احترم الإطار القانوني للإسلام في الغرب ولا نفرض أية وصاية. هدفنا هو تمكين المهاجرين من العيش في وئام مع ثقافة البلدان التي يُقيمون فيها. والمهاجرون المغاربة يمكن أن يرتبطوا روحيا مع المغرب، وهذا لا يطرح أي إشكال، والمواطن المغربي يمكن أن يكون مرتبطا بإمارة المؤمنين، حتى وهو يعيش في الغرب، دون أن يعني ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية لبلدان الإقامة، أو نوعا من الوصاية الممارسة على أبناء الجالية...

استدعاء أئمة مغاربة من هولندا للمشاركة في لقاء بمراكش، أحدث ضجة في هولندا...

النقاش الذي أحدثه استدعاء الأئمة المغاربة كان ناتجا عن سوء الفهم، ومن الضروري أن نقوم بمعالجته. وهنا أستحضر الجالية التركية المهمة في هولندا، والمنظمة في إطار دبلوماسي، فالأئمة يتقاضون أجورهم من السفارة التركية بهولندا، ولا يطرح ذلك أي مشكل، ولم تقل الحكومة الهولندية إن ذلك يُعتبر تدخلا في شؤون الجالية وفي شؤون البلد.


جمال بورفيسي، جريدة الصباح، 17 مارس 2009، ص:

Google+ Google+