الثلاثاء، 21 مايو 2024 06:31

سنة 2010 .. نقاش محتدم و غير مسبوق بألمانيا حول الإسلام والهجرة والاندماج

الخميس, 23 دجنبر 2010

عاشت ألمانيا طيلة سنة 2010 نقاشا استثنائيا حادا حول الهجرة واندماج المهاجرين, خاصة من أصول عربية وإسلامية , في المجتمع الألماني.

وإذا كان هذا النقاش قد غذته, أحيانا حسابات سياسية, فإنه كان أحيانا أخرى نابعا من مواقف مبدئية مناهضة للهجرة وللمهاجرين. وسلك هذا النقاش اتجاهين رئيسيين , استعملت في أولهما لهجة قوية إزاء المهاجرين , خاصة من ذوي الأصول العربية والإسلامية , وظفت عبارات وصفت ب "العنصرية" و"التحريض على الكراهية", فيما اتخذ أصحاب الاتجاه الثاني مواقف عقلانية منصفة للإسلام وللمهاجرين العرب والمسلمين.

وشكل صدور كتاب تحت عنوان ( ألمانيا تمضي إلى حتفها ) بقلم تيلو زراتسين , عضو البنك الفدرالي (البنك المركزي) الألماني سابقا , في نهاية شهر غشت المنصرم, الشرارة التي أججت نار الجدل حول الهجرة , إذ قال صاحبه إن المهاجرين , خاصة العرب والأتراك , يعانون من صعوبة الاندماج في المجتمع الألماني, كما توقع حدوث تغيير, على المدى البعيد , في التركيبة الديموغرافية للبلاد يطغى فيها المهاجرون.

وإذا كانت الآراء والأحكام التي أوردها كتاب زراتسين (65 سنة), لا تصب مباشرة في الاتجاه الذي دشنته نظرية "صراع الحضارات", التي أطلقها صموئيل هنتغنتون في منتصف تسعينيات القرن الماضي, إلا أنها انتشرت بسرعة مذهلة على صفحات وبرامج الإعلام المرئي والمسموع في ألمانيا , كما انشغل بها الرأي العام السياسي, سلبا وإيجابا, في عموم ألمانيا وأثارت موجة عارمة من الانتقادات من طرف المنظمات الإسلامية, عربية وتركية, تتهم المؤلف ب"العنصرية" و "معادة المسلمين المقيمين", بسبب أطروحاته التي زعم فيها أن المسلمين في ألمانيا تنقصهم المبادرة الشخصية والقدرة على الاندماج بشكل صحيح في المجتمع الألماني, ولا يساهمون في ازدهار البلاد, وأن نسبة كبيرة منهم تعيش على المساعدات الاجتماعية.
ولاقت طروحات زراتسين وآراؤه ترحيبا لدى بعض الأوساط, إلا أنها ووجهت باستهجان وتنديد كبيرين من لدن أغلب مكونات الطيف السياسي الألماني, فقد اعتبرتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "غير مقبولة وتشي بالتمييز وتصور مجموعات بأسرها داخل مجتمعنا بصورة محتقرة", مؤكدة أن هذه الآراء "تعيق الجهود الهامة التي تبذل من أجل ترسيخ الاندماج داخل المجتمع الألماني" و"تؤدي إلى انقسامه".

غير أن أصواتا أخرى ذهبت إلى القول بأن الانتقادات التي وجهت إلى كتاب زراتسين لا ينبغي أن تخفي صعوبة عملية اندماج المهاجرين المطروحة بحدة في ألمانيا, داعية إلى الانكباب الفعلي على هذه المسألة باعتبارها صلب النقاش.

وفي الوقت الذي كانت فيه تصريحات زراتسين تهيمن على كافة الساحات, الإعلامية والسياسية, أقدم الرئيس الفدرالي الألماني كريستيان فولف, على مبادرة جريئة وفريدة أعادت النقاش حول الإسلام والمهاجرين في ألمانيا, إلى أسسه العقلانية السليمة.

فقد صرح الرئيس فولف في ثالث أكتوبر الماضي, في خطابه بمناسبة احتفال ألمانيا بالذكرى العشرين للوحدة الألمانية, بأن الدين الإسلامي جزء من المجتمع الألماني, مثل الدين المسيحي واليهودي.

وأضاف أن الإسلام جزء من ألمانيا منذ نحو 200 سنة خلت, عندما كتب الشاعر الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته في ديوانه الشعري (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي), الذي تحدث فيه عن الإسلام "إن من يعرف نفسه ويعرف الآخرين, سيعترف بأن الغرب والشرق لايمكن أن ينفصلا".

وقال فولف "عندما يكتب إلي المسلمون الألمان بأنني رئيسهم, أرد عليهم من كل قلبي .. نعم, طبعا أنا رئيسكم, أقولها بنفس القناعة والشغف مثلما أقولها لجميع الناس, الذين يعيشون في ألمانيا".

وعوض طروحات الأبواب الموصدة, فتح خطاب الرئيس فولف أفقا جديدا للاندماج والعيش المشترك على قاعدة التعدد والاختلاف في ألمانيا, حين اعتبر أن المستقبل هو للأمم التي تفتح أبوابها للتعدد الثقافي وللأفكار الجديدة وللحوار, مشددا على عدم السماح بانتشار الأحكام المسبقة عن المهاجرين أو عزلهم, وقال "ما دام أمر هؤلاء الأشخاص ذوي الأصول الأجنبية يهمني, فإنني لن أقبل بأن تجرح كرامتهم (...) لن نقبل بالأحكام المسبقة والعزل".

وإذا كانت آراء زراتسين تصب في المواقف النمطية المعروفة المناهضة للمهاجرين داخل بعض الأوساط في المجتمع الألماني, التي تحمل أيضا أحكاما مسبقة وخاطئة حول الإسلام, على غرار ما هو سائد في بعض المجتمعات الأوربية, فإن ما قاله الرئيس الألماني, يشكل منعطفا إيجابيا على قدر كبير من الأهمية, في النظرة إلى الإسلام والمسلمين داخل ألمانيا.

وبالرغم من ذلك فقد ازدادت سرعة انتشار أفكار زاراتسين, الذي كان في السابق يشغل منصب وزير المالية في حكومة ولاية برلين, مما أتاح لكتابه تحقيق أرقام ضخمة على مستوى المبيعات.

فحسب أرقام نشرتها مجلة (فوكوس) الألمانية مؤخرا, فقد نفذت من الكتاب حوالي 2ر1 مليون نسخة في ألمانيا وحدها, بمعدل عشرة آلاف نسخة يوميا, منذ صدوره في نهاية غشت المنصرم, كما حقق صاحبه عائدات بلغت حوالي ثلاثة ملايين أورو.
وقد اتضح من استمرار هذا النقاش لأشهر طويلة أنه, لا كتاب زراتسين ولا خطاب الرئيس الألماني, بما في ذلك التصريحات والآراء الدائرة في فلكهما, استطاعت حسم النقاش حول الهجرة والاندماج والإسلام في ألمانيا, لكنها شكلت علامة بارزة في تاريخ الجدل داخل المجتمع الألماني حول هذه المواضيع, ستحمل الحكومة الألمانية على المضي بأكبر جهد ممكن نحو فتح آفاق أرحب أمام المهاجرين للاندماج بشكل فعلي وإيجابي.

المصدر: وكالة المغرب العربي

مختارات

Google+ Google+