قراء في كتاب "ماربورغ" للكاتب المغربي المقيم بألمانيا محمد خلوق

الخميس, 27 يونيو 2013

«ماربورغ»، كتاب المغربي محمد خلوق الصادر أخيراً عن دار رامبو الألمانية، إضافة نوعية إلى النص الإثنوشعري داخل ما بات يعرف بأدب المهاجرين في السياق الثقافي الألماني، ليس فقط لأنه جاء أبعد ما يكون عن النبرة البكائية التي استحكمت على هذا الأدب، بل أيضا لأنه ابتعد من الأسلوب الاستبطاني الذي يعجز غالباً عن تحقيق لقاء، من لحم ودم، بالآخر، المختلف.

اختار الكاتب «الفراغمانت»، هذا الفن القلق والمقلق في آن، للتعبير عن لقاء، هو تجربة حياة، لقاء قلق، بمدينة، يلخّص تاريخها الروح الألمانية بانكساراتها وانتصاراتها، مغامرتها العقلية الفريدة، ولوجها الحداثة ومساهمتها فيها، ويعرّج على أعلام كبار سكنوا ماربورغ من مارتين لوثر الذي لجأ إليها هرباً من البابا ورجاله، مروراً بكريستيان فولف والأخوين غريم الذين ألهمتهم غابات ماربورغ وطبيعتها الساحرة حكايات شهيرة. لا يقول الكتاب أشياء كثيرة، أنفاساً متقطعة، وكلمات قلقة، مترددة.

لم يأت الكتاب ليحاكم ويحكم، فإرادة القول عنف، سفر أكثر منه سفراً، سفر عاشق يدرك أن معشوقته أبعد من متناول يده، أنه لا يستطيع أكثر من اقتفاء خطاها والإصغاء الى همسها. إنه لا يطلب غير هذا الإصغاء لحميمية مدينة، لما تبقى منها، للغاتها المتعددة، لوجوهها المتنافرة، لما تقوله الأحجار وما تصمت عنه، لما تصدح به طبيعتها، قلاعها وكنائسها، شوارعها وبناياتها القديمة والحديثة. هو يقتفي كل ذلك بعين الشاعر المضيافة لا بعين المؤرخ، فقد علّمنا أرسطو أن الشعر يأتي من المستقبل.

وهو حين يكتب أو يسافر بين تواريخ المدينة، متعقباً أرواحها بخطى لا تكل ولا تمل، يكتب تاريخ مدينته التي لم تولد بعد. فماربورغ ليست مدينته العربية. لقد تحوّلت فيها ممتلكات الكنيسة ومنذ قرون إلى معاهد علمية وتربوية وإلى أول جامعة بروتستانتية في العالم. إنها مدينة قادمة من المستقبل، من هذا المستقبل المستحيل الذي تقف أمامه اليوم المدينة العربية، مكتوفة اليدين، معصوبة العينين.

نفضت ماربورغ عنها حجاب السحر والوهم، تمرّدت على قدسيتها وقدّسيها، انتفضت ضد قرون الظلام. أحد أبنائها الكبار، إميل أدولف فون بيرينغ، أول حاصل على جائزة نوبل للطب عام 1901، سيتمتع بالقداسة نفسها لدى سكان ماربورغ التي كانت للقديسة إليزابيث. انتشر صيت إليزابيث، التي تبرعت من مالها الخاص لبناء أكبر كنيسة في المدينة، تحمل اليوم إسمها، وصيت قدراتها الخارقة في أصقاع أوروبا، فتحول ضريحها يومها إلى محجّ للباحثين عن الشفاء أو الحالمين بالخلاص.

لكن الكاتب لا يتوقف أمام الماضي، بل هو لا يعيشه إلا من خلال الحاضر، يشارك في تظاهرات الطلبة ويحضر أعراس المدينة ويعيش عاداتها ويقترب من ناسها، ليكتشف أن الكلمة السر، التي تسكن المدينة وتعمر تواريخها ليست سوى الحرية. أضحت الحرية التي حلم بها كانط ومعه المثالية الألمانية كلها، طبيعة ثانية للإنسان، فالروح الألمانية ليست أقل أو أكثر من هذا البحث الطويل والمضني عن الحرية وحتى قبلة العاشقين في الكتاب، لا تهمس لنا بغير ذلك.

عن جريدة الحياة اللندنية

الصحافة والهجرة

Google+ Google+