في أميركا.. مغاربة يعيشون الوطن

الأربعاء, 25 فبراير 2015

قبل 30 عاما وقليل وصل واشنطن حاملا على كتفيه كثيرا من الأحلام والطموحات التي يتمنى تحقيقها في أميركا، مثله مثل أولئك المهاجرين الأوائل من بلاده الواقعة على الضفة الأخرى من الأطلسي، المغرب.

من هناك وصل إلى الضفة الثانية من وراء المحيط.. حسان سمغوني شاب مغربي تملؤه الأحلام والطموحات في صناعة الحياة في كل مكان يعبره وفي كل لحظة يعيشها لنفسه ومع الآخرين ولأجلهم.

مع حسان تحدث تلك المعادلة الأزلية التي تقول إن هناك أوطانا نسكنها ونغادرها وهناك من الأوطان ما يسكننا ويرفض أن يغادرنا حتى ونحن ولأسباب أو لأخرى نقرر الحياة في أوطان جديدة حافلة بالمحبة والأذرع المفتوحة والفضاءات التي تفتح لنا أحضنها واسعة ومن غير شروط مسبقة ولا حدود في الزمان والمكان.

ثلاثون حولا كاملة يقضيها الناشط الاجتماعي والثقافي والرياضي حسان في واشنطن ومع كل ذلك الانخراط النموذجي في الحياة والمجتمع الأميركيين يجد في نفسه متسعا كافيا ليقول إنه هنا لأجل المغرب.

موطن جديد وقلب بعيد

أسأل حسان عن خلاصة ثلاثة عقود من الزمن في أميركا لأجده يقول لي في قناعة كاملة إن هذا الفضاء الذي صنع بهجته وأمده بالفرص المتعددة والمفتوحة هو موطنه الجديد لكن القلب لا يزال يقيم هناك في تلك الديار البعيدة في الجغرافيا لكنها مقيمة في العمق من القلب والروح دائما.

على مدار العقود الثلاثة يقول حسان في لغة جميلة ولافتة إنه كان ولا يزال وسيظل في المقبل من الأيام أيضا كما كان الوضع فيما سبق من الزمن مشغولا بالحديث والترويج لثقافة المغرب وجمال معالمه ودعوة أقرانه وأصدقائه ومعارفه من الأميركيين إلى التعرف على المخزون الثقافي الجمالي في تلك البلاد التي ولد فوق ترابها وأطلقته إلى الحياة إنسانا جميلا.

لم يتعب حسان خلال العقود الثلاثة من الحديث عن جمال بلاده وأن يحاول أن يمد جسورا هائلة من الصلة بين ضفتي الأطلسي من خلال مناسبات الحوار ولقاءات الفكر والمعرفة وبحث العلاقات بين البلدين وإرسال بعثات من الطلاب الأميركيين للحياة في المغرب لبعض الوقت في ضيافة عائلات مغربية لأن الصورة عن قرب في اعتقاد حسان تبدو دائما أبهى وأنقى وأجمل.

وفي الرصيد الحالي لحسان كثير من الشركاء الأميركيين الحريصين على الذهاب إلى المغرب ومعايشة الحياة اليومية بتفاصيلها والتعرف إلى مختلف أنماطها وخاصة إلى أطباق الطعام المغرية وفنون الصناعة التقليدية التي يتميز بها الحرفيون المغاربة.

هذا الحديث الذي جمعني بحسان كان في مساء شتوي بارد جدا وماطر، ومنطقة شمال فرجينيا تشهد واحدة من أعنف العواصف الثلجية في هذا الموسم من الشتاء.

صالون يصل الموطن الأم بموطن المهجر

لكن في ذلك الصالون الذي افتتح في ذلك المساء والذي أراده حسان حبلا واصلا بين موطنه الأم وموطن المهجر كان الجو في غاية الدفء والأريحية والمتطوعون في الفضاء المغربي يحرصون على استقبال ضيوفهم من شركائهم في الوطن بأطباق الحلوى وكؤوس الشاي المعطرة بالنعناع وكثير من الابتسامات التي تفتح أبوابا في القلب تماما كما تفعل الأبواب الخشبية المنحوتة والمعروضة في المكان والتي تقول عنها فنانة مغربية شريكة هي أيضا لحسان في المحبة للوطن الأم والغارقة في تفاصيل الحياة هناك "نادية لمهور".. نادية هي صوت شريك لحسان في تلك الرحلة الطويلة من المحبة والعشق للمغرب.

نادية وصلت هي الأخرى إلى واشنطن قبل عقود وهنا أكملت دراستها الجامعية وتزوجت من زميل أميركي ورزقت أطفالها لكنها ورغم هذا الامتداد العميق في المكان تجد نفسها في كل واحدة من لوحاتها الموزعة على زوايا الفضاء المغربي في أميركا ترسم المغرب في جزئياته الاجتماعية وفي أعماقه الإنسانية.

لوحات فنية تخفي وراءها الكثير من الأسرار

في لوحات الرسامة الأميركية المغربية الأصل لمهور تلك الملامح من أزقة المغرب وتلك الملامح أيضا من أبواب البيوت التي تقول عنها في قناعة عالية وعميقة إن الأبواب تخفي وراءها الكثير من الأسرار فكل باب يقودك إلى فتوحات جديدة في الحياة وهي تقول أيضا إن كل الذي هو مطلوب من الناس في الحياة هو ألا يخافوا طرق الأبواب الجديدة.

في هذا الفضاء تُعلّق لمهور عن مبادرة حسان وشركائه في مشروع إنجاز هذا المعلم الثقافي أنهم يؤمنون بأنهم بصدد بناء صرح سيجد فيه المغاربة مكانا لتحقيق ذلك الحنين الذي لا يفارق أرواحهم إلى الديار الأولى وسيجد فيه الأميركيون من أصول أخرى فرصة للتعرف على نمط الحياة في المغرب كاملا من غير نقصان بدءا من فنون الطبخ عبورا بالصناعات التقليدية والملبس وصولا إلى ديكور البيوت المغربية.

تواصل فني بين صور الحياة المغربية وفنانين أميركيين

كل هذه المعالم من الحياة في المملكة يحاول حسان أن يوفرها لكل زائر لفضائه المغربي في أميركا، بل إنه يطمح من هنا لإتاحة فرص جديدة لإمكانية إقامة تواصل فني بين صور الحياة المغربية وفنانين أميركيين يبحثون عن صورة جديدة ومعالم مختلفة لإبداعهم، وذلك ما قاله لي تحديدا المصور السينمائي "كرافت دين" الذي يدير مؤسسة الأستوديو للتصوير التلفزيوني والسينمائي. وأضاف أنه يطمح إلى إيجاد شراكة بين الثقافتين المغربية بعراقتها وعبق التاريخ فيها ونظيرتها الأميركية الغنية والقوية بصور الحداثة فيها.

يقول دين بخيال المصور المسكون بجمال الصورة إن هذا المزيج إن نجحنا في تحقيقه سيكون أمرا رائعا في حياة البلدين وفي حياة الجمهور من المهتمين بتنوع الثقافات في منطقة واشنطن الكبرى.

في تلك المباركات التي كانت لا تنقطع على حسان وشركائه في مد جسر تواصل بين ثقافتين وطنيين كلاهما يحجز لنفسه مكانا في قلبه وفي يومياته استعدت ذلك الإدراك العميق في نفوسنا من كون الثقافات أفضل وسائل التواصل والتعارف بين الشعبين وفي ذلك سر الخليقة كلها.

المصدر: قناة الحرة

الصحافة والهجرة

Google+ Google+