قانونية الإسلام في أوروبا.. ندوة بالمغرب

السبت, 13 يونيو 2009

أكد خبراء قانون ورجال سياسة ودين مغاربة وأوروبيون أن الإسلام مكون أساسي في الحياة الدينية بالقارة الأوروبية، و"يشهد تطورا من شأنه إغناء التعدد الاجتماعي في بلدان استقبال المهاجرين المسلمين".



جاء ذلك في ندوة دولية حول "الوضع القانوني للإسلام في أوروبا" نُظمت بمدينة فاس المغربية نظمها مجلس الجالية المغربية في الخارج على مدى يومي 14 و15 مارس 2009م.

واعترف المشاركون بوجود مشاكل تعوق ترجمة شعار حرية المعتقد الديني واقعًا، خاصة بالنسبة للمسلمين المقيمين في الدول العلمانية، برغم هامش "الحرية الضيق" المتاح لهم لإقامة شعائرهم الدينية، داعين إلى "توفير الإرادة السياسية اللازمة لإنشاء الإطار الرسمي للدين الإسلامي، والاعتراف القانوني به، وإنشاء نظام للتعليم الديني وأماكن العبادة وضمان حرية التعبد دون تضييق".

وانعقدت الندوة في أربع جلسات على مدار يومين، تم خلالها مناقشة عدة محاور منها "التشريعات الأوروبية والحرية الدينية"، و"التشريعات الأوروبية وخصوصيات الديانة الإسلامية"، و"المقاربات التشريعية للشأن الديني في أوروبا"، و"عرض التجارب المتعلقة بتنظيم الدين الإسلامي في أوروبا".

وفي كلمته في افتتاح الندوة أكد إدريس اليزمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج أن "اندماج الجالية المسلمة في أوروبا، مسلسل لا رجعة فيه"، نافيا وجود مد شيعي وسط الجالية المسلمة، بل "ثمة تعدد في الخطاب الديني في أوساط الجالية، التي يجب تعميق البحث في العديد من القضايا التي تهمها، ومعرفة القوانين المؤطرة للشأن الديني بالدول الأوروبية المفروض أن تسهل إدماج المسلمين فيها..".

وأكد اليزمي أن الدول الأوروبية عليها أن تتأقلم مع الإسلام كضيف جديد قديم استقر بها، في مقابل السعي لأقلمة الإسلام مع وضع جديد بتلك الدول، داعيا إلى فتح قنوات الحوار والتواصل وتبادل التجارب؛ إذ "يمكن في بلجيكا، الاستفادة من مجلس الجالية المسلمة بفرنسا والعكس صحيح"، مؤكدا أن الاندماج يتطلب وقتا وجهودا ونيات حسنة من قبل كل الجهات.

إسلام أوروبي

واعترف المشاركون في هذه الندوة، بحضور لمسلمين ودورهم الفعال في المجتمعات الأوروبية، برغم تباين واختلاف أعدادهم وحقوقهم المضمونة في كل دولة، مؤكدين لزوم الحوار والتعايش المشترك بينهم وبين تلك الدول ومختلف الديانات، بما يكفل "الانخراط الإيجابي والفعال في المشهد الديمقراطي الأوروبي المحتاج إلى إشراك كل مكوناته ومختلف الأقليات داخله".

وقال فيليس داسيتو أستاذ بدرجة استحقاق في جامعة لوفان لانوف البلجيكية: إن تكوين الأجيال المسلمة المستقبلية "يمثل أكبر تحدٍّ قد يواجهه الإسلام في أوروبا"، داعيا المسلمين في هذا القارة إلى "بناء أنفسهم وتغيير نظرتهم إلى الدولة الأوروبية، وأن يساعدوا على ظهور "إسلام أوروبي" بدلا من أن يحذوا حذو تركيا المصدرة لنموذجها إلى أوروبا، وما أظن أن ذلك ممكن".

وتحدث عن وضع مريح نسبيًّا للمسلمين في أوروبا، بالنظر إلى توفر "البنى التحتية الدينية الضرورية"، موضحا أن الإسلام "حقيقة قائمة في أوروبا التي تعترف بالحضور الإسلامي من صقلية إلى القطب الشمالي"؛ لذلك فهو يدعو المسلمين إلى "التكيف" مع أوروبا بمقابل دعوته الدول الأوروبية لتغيير نظرتها إلى المسلمين والشروع في "نقل الشعلة إلى جيل الغد".

وتحدث ماتياس روهي رجل قانون بجامعة نورمبرغ الألمانية، عن تنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي لتنظيم المجموعات والأقليات المسلمة والاعتراف بالدور المهم الذي تلعبه في المجتمعات الغربية؛ لذلك "علينا أن نبرز هذا الدور في القوانين المنظمة للمجتمع" حسب تعبيره، مؤكدًا أن كل مجموعة دينية لها الحق في ممارسة شعائرها في إطار الحرية واحترام الآخرين.

تطور ملحوظ

ويقر روهي بأن الإسلام يشهد تطورًا مهما في مختلف الدول الأوروبية، بما يضمن إغناء التعدد الاجتماعي فيها، و"يجعل المسلم الجديد أكثر حضورًا واندماجًا في دول المهجر مقارنة مع الأجيال السابقة، بالنظر إلى التجذر المستمر للإسلام في مجتمعات تتسم بالتعدد ومتشبثة بالعلمانية الثقافية الأوروبية، برغم اختلاف العادات الوطنية لكل بلد على حدة.

ويقول روهي: "ليس هناك إسلام واحد، كما أن أوروبا ليست واحدة"، متحدثا عن تعدد الثقافات وتنوع واختلاف كيفية تعاملها مع الإسلام الذي أكد أنه "يعيش تطورًا" في ألمانيا التي يعيش فيها 3.5 ملايين مسلم في الولايات الشمالية خاصة بفرانكفورت، ويمثلون الأتراك والمهاجرين المغاربة والعرب والأفارقة.

وأبرز أن المسلمين في المجتمع الألماني يطالبون بحقوقهم في المواطنة وممارسة دينهم بكل حرية، متحدثًا عن شروعهم في تنظيم أنفسهم ووجود "تطور حميد وإيجابي للمجموعات الإسلامية بألمانيا، الواعية بأهمية الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المسلمين المهاجرين المقيمين بها، وترجمة ذلك على أرض الواقع ومستوى القوانين والتشريعات والحرص على تطبيقها واحترامها".

وأشار إلى وجود حوالي 260 مسجدًا صغيرًا بألمانيا و"نسعى إلى إقامة مساجد كبرى في المدن الكبيرة لتسهيل إقامة المسلمين للشعائر"، مؤكدًا وجود مذابح الحلال، ومدارس قرآنية بشكل يؤكد "انفتاح ألمانيا على الحوار والمساواة بين كل الأديان، وضمان حقوق الأقليات مع سعيها لوضع إطار تعليمي للمسلمين، ليكونوا مواطنين ألمانا، بغض النظر عن انتمائهم الديني".

ويبدو أن التجربة البلجيكية في التعامل مع المسلمين، "فريدة من نوعها" حسب ما أكده فيليس داسيتو في مداخلته حول "مأسسة الإسلام في بلجيكا"؛ إذ أكد "أن بلجيكا التي تعرف نفسها بـ"دولة غير دينية" تمنح العقائد دورًا عموميا وفق قانون 1978 السامح بإقامة بنايات التعبد وتمويل الأنشطة الدينية وأداء أجور مدرسي الكنائس".

واعترف بفشل محاولات مأسسة الإسلام في هذا البلد "البراغماتي" (برأيه) في تعامله مع الإسلام وباقي الديانات، بالنظر إلى اعتبار بلجيكا نفسها "مجرد وسيط بين قوى اجتماعية موجهة من الدولة وهيئات المجتمع المدني بشكل يوفر التوازن الجماعي"، متخذا في ذلك شعار "اتركه يفعل، لكن احرص على توجيهه"، وأبرز أن هذا الوضع طرح لبسًا وتعقيدًا، دون أن ينكر مزاياه.

بين النظرية والتطبيق

أما الأستاذ الجامعي والفاعل الإسلامي بلندن محمد حبيب الرحمن فيقول: "تعرف المجتمعات الأوروبية تنوعا مضطردا وبوتيرة متسارعة تؤثر على مشهدها الديني والثقافي، ويفرض عليها التعامل بالمرونة اللازمة مع الجاليات المسلمة، والتي تبقى بدورها مطالبة بإيجاد أجوبة مناسبة للتجارب المتعددة، برغم انتزاعها مكتسبات "الحرية الفردية في إبداء الرأي والمعتقد والتصرف على أساس ديني أو اقتناع ورأي".

واستعرض حبيب الرحمن بعض جوانب الشريعة الإسلامية في النظام التشريعي الإنجليزي، متحدثا عن إباحة الأذان وإقامة كل الشعائر الدينية، والذبح في عيد الأضحى، والسماح للنساء المسلمات بارتداء الحجاب، واستفادتهن من خدمات اجتماعية وامتيازات متعددة، مؤكدا عدم وجود تعارض بين ما يريده المسلمون وما يطبق من قوانين، دون أن ينكر تعرضهم للعنصرية.

وناعيا وجود تفاوت بين النظر والتطبيق قال حبيب الرحمن: "لقد اعترفت العديد من البلدان الأوروبية بالإسلام كدين، إلا أن "جل بنود هذه الاعترافات، ما زالت حبرا على ورق"، مما يستدعي "التفكير في إيجاد حلول لتفعيل ذلك، وتوفير الأطر المناسبة القادرة على الاندماج الإيجابي، وضمان تأطير يوفر للأجيال القادمة إطارًا ملائما للتعايش في بلدان أوروبية".

وتحدث حبيب الرحمن، عن صورة سيئة للإسلام في الدول الأوروبية التي يقدم فيها "كدين عنف"، و"ما جاء به الإسلام والشريعة، ينظر إليه كونه يعود إلى القرون المظلمة"، مشيرا إلى وجود سوء فهم وجهل للشريعة من قبل الأوروبيين؛ لسوء الاستعمال في وسائل الإعلام الغربية خاصة في بريطانيا، مما يحتاج جهودًا من المسلمين لمحو هذه الضبابية بما يعيد للإسلام صورته الحقيقية.

وتحدث فرانسيسكو زانيني أستاذ في المدرسة البابوية للدراسات العربية والإسلامية بروما، عن "عدم تجانس المجموعات الإسلامية في إيطاليا"، دون أن ينكر فاعليتها في المجتمع الإيطالي، برغم تنوع المشارب ما دام "الإسلام هو الرابط الذي يجمعها"، مؤكدا ضمان الدستور الإيطالي لحرية المعتقد "برغم فصل إيطاليا للدين عن الدولة، الذي لم يمنع الثقل والوزن الكبير للدين بها".

وأكد وجود تنسيق بين الهيئات الحكومية حتى "تكون ممارسة الشعائر الدينية في إطار احترام القانون"، مؤكدًا أن مؤسسة "إنتيزا" تهتم بتنظيم العلاقة بين أجهزة الحكومة ورجال الدين، و"تعطي الحق لمختلف الأقليات لممارسة الدين الذي تختاره".

وتأسف زانيني لعدم تحقيق إنجازات في المجال "لكون الموضوع حساس وشائك، يتطلب دراسة واعتماد مبادئ الشريعة وإدماجها في الدستور الإيطالي".

تجارب مختلفة

استعرض المحور الرابع من هذه الندوة المنعقد في جلستين، عدة تجارب متعلقة بتنظيم الدين الإسلامي في أوروبا خاصة في بلجيكا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، إذ أجمع المشاركون على وجود هياكل تنظيمية ومبادرات لتدبير شئون المسلمين، وضمان حقهم في المواطنة وممارسة شعائرهم الدينية، لكن بهامش حرية اعترفوا بتفاوته من دولة إلى أخرى بالنظر إلى درجة علمانيتها.

وتحدث ماسيمو فاري نائب سابق في المحكمة الدستورية الإيطالية، عن تكريس ميثاق ستراسبورغ لمبادئ العدل واحترام معتقدات الأفراد وكرامة الإنسان، كما الشأن بالنسبة للميثاق الأوروبي والدستور الإيطالي، المكرسين لحرية المعتقد وممارسة الشعائر، داعيا إلى وجوب الحوار بين المؤسسات والمهاجرين المسلمين.

وأوضح أن المشرع الإيطالي أخذ بعين الاعتبار احترام الحرية الفردية والتضامن وحرية التعبير والمعتقد، متحدثًا عن أن بعض النصوص القانونية ترسخ المساواة بين المواطنين داخل الاتحاد الأوروبي، والذي تضمن التشريعات الإدارية والقانونية لكثير من دوله، "ضمان حقوق المهاجرين المسلمين وتحسين ظروف إقامتهم في القارة العجوز" حسب تعبيره!

أما فرانسيس مسنير مدير البحث في المركز الوطني للبحث العلمي بستراسبورغ، فسرد نماذج من التنظيم القانوني المحترم للديانات خاصة في ألمانيا، مؤكدًا أن "النظام الأوروبي على خلاف نظيره الأمريكي، مثال جيد لاحترام الديانات".

وشدد مسنير على أن اندماج المجموعات المسلمة "نقاط إيجابية في عدة دول"، متحدثا عن فيدراليتين للمسلمين في إسبانيا لكل واحدة منهما تصورها الخاص للعمل.

توحيد التشريعات

اعتبر ستيفان بابي باحث مساهم في المركز الوطني للبحث العلمي، أن 14 مليون مسلم في أوروبا، خاصة في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا التي يشكل فيها المسلمون نسبة مهمة، رقم كبير، خاصة أن غالبيتهم ينتمون إلى مستعمرات أوروبية سابقة، مؤكدا أن المهاجرين المسلمين "يجب أن تصان حقوقهم الدينية بعيدًا عن كل تضييق أو عنصرية، وفي ظل إشراف عام ودعم رسمي".

وأبرز في مداخلته حول توحيد التشريعات على المستوى الأوروبي، أن قوانين الدول الأوروبية تعترف بالأديان وتحترم معتقدات الأفراد وممارستهم لها، برغم ما يمكن أن يلاحظ من تفاوت في المجال بينها.

وأكد أن حق الممارسة الدينية، مضمون في كل الدول، نافيا وجود تمييز على أساسها أو قانون أوروبي شامل ينظم العلاقة بين المؤسسات والمهاجرين المسلمين.

وأكد خوسي مانويل رودريكو المتحدث نيابة عن خوسي ماريا كونتريراس المدير العام للعلاقات مع الأديان بوزارة العدل الإسبانية، أن احترام حرية الأديان مضمون في القانون الإسباني منذ ظهور قانون الحرية الدينية في 1966، متحدثا عن تطور في الإطار القانوني لتأسيس الجمعيات الإسلامية بهذا البلد، التي يزداد عددها بنظره بـ"شكل مضطرد".

ولم يتقبل لورون توفي مدير الحريات العامة والشئون القانونية في وزارة الداخلية الفرنسية، نعت بلده بالدولة الأوروبية الأكثر علمانية، مؤكدا أن "الحرية والعلمانية تتطلبان حياد الدولة والعاملين فيها".

وأبرز أن "العبادة حرية للأفراد والمجموعة"، ساردا مجموعة من القوانين والتشريعات الفرنسية الضامنة لهذا الحق منذ تنظيم نابليون للعبادات واعترافه باستقلالية الديانات.

المصدر: حميد الأبيض، موقع مدارك إسلام أونلاين، 18/03/2009


«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+