رواية "السفارديم" لإيلييت أبيكاسيس .. دعوة إلى اكتشاف تاريخ اليهود المغارب

الجمعة, 13 نونبر 2009

بأسلوب يجمع بين الواقعية والخيال، تشكل الرواية الأخيرة لإلييت أبيكاسيس "السفارديم" ، التي صدرت بباريس عن دار "ألبان ميشيل" للنشر، دعوة لاكتشاف تاريخ اليهود المغاربة، و"تعلقهم الراسخ" بالمملكة.

تقول الروائية أبيكاسيس، ذات الأصول المغربية والمزدادة بفرنسا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، "إنها رواية حقيقية تجمع بين الحب والتلاحم الأسري مع جانب من الغرابة. إنها أيضا وثيقة تسمح بالعودة إلى قرون مضت من تاريخ السفارديم واليهود المغاربة من خلال موسيقاهم وفنهم في الطبخ ومختلف طقوسهم وتقاليدهم وديانتهم وعلاقتهم بغيرهم ولا سيما المسلمين".

واختارت أبيكاسيس، التي ميز مؤلفها (الواقع في 450 صفحة) الدخول الأدبي لهذا الخريف بفرنسا، "عالم الرواية، ذي الأهمية البالغة في العودة لتصفح هذه الملحمة: إنها طريقة لحكي + التاريخ الكبير + من خلال قصة صغيرة مختارة".

ولا تدعي مؤلفة "المطلقة"، الرواية التي استوحتها من سيناريو كتبته للفيلم الناجح "كادوش"، أنها مؤرخة وإن أقرت بأنها قامت بالكثير من الأبحاث طيلة عشر سنوات (وهو الوقت الذي تطلبته كتابة هذه الرواية) حول السفارديم من خلال تعقب تحركاتهم في الكثير من البلدان، خاصة في المغرب.

" تعايش سلمي"

وسجلت الروائية أبيكاسيس "التعلق الراسخ لليهود بالمملكة. فقد ظلوا مغاربة دائما رغم مغادرتهم بكثافة خلال الخمسينيات".

وتتناول هذه الرواية العلاقة "الوثيقة جدا" بين اليهود والمسلمين في المغرب، حيث "تمكنوا من العيش جنبا إلى جنب في سلم وطمأنينة أكثر من أي مكان آخر". وأضافت أن "المغرب بلد انفتاح وضيافة، وجدت فيه كل الطوائف طريقة للعيش سوية، وهو أمر فريد من نوعه في العالم" .

وتشرح أبيكاسيس أنها لم ترغب في أن تجعل من روايتها "مادة تاريخية محضة" لأن النتيجة ستكون حينها "عقلانية جدا وجامدة " مقارنة بحقيقة السفارديم الذين تحفل حياتهم ب "الدفء والعاطفة والذوق المرهف".

ومن ثم، فإن اختيار هذا النوع الأدبي (الرواية) يلزم أبيكاسيس برسم "بورتري إنساني" للسفارديم من خلال شخصية امرأة، وقصة حبها، وعلاقتها بأسرتها وأصدقائها.

تحكي الرواية قصة إستير فيتال ، الشابة المغربية التي ولدت بستراسبورغ والتي قررت الزواج، ضد إرادة والديها، بشاب فرنسي يدعى شارل توليدانو، وهو أيضا من أصل يهودي مغربي لا يحب آل فيتال تحرره المفرط وقلة احترامه للديانة والتقاليد التي يحرصون أشد الحرص على الحفاظ عليها.

" حناء وعين حسودة "

وتكتشف إستير ليلة الزفاف أن العائلتين كانتا على صلة قوية في الماضي . فجدتها، صول، كانت ستتزوج من جد خطيبها. ولكن بسبب شعوذة غريمتها ياقوت (جدة شارل) ليلة زفافها، لم يتم هذا الارتباط.

وكانت صول تخشى أن تتكرر القصة ذاتها مع حفيدتها، كما أن حضور ياقوت في حفل الحناء الذي سبق يوم زفاف إستير، لم يكن ينبئ بخير.

غير أن والدة إستير (سوزان) كانت تنظر بعدم الرضى لاختيار ابنتها لهذه المناسبة ارتداء الفستان الأرجواني الخاص بالزوجات المحتملات السفارديم، الذي تملكه جدتها، والذي كانت سترتديه هي نفسها خلال زفاف أول لم يتم.

لم تكن إستير ، المرأة العصرية التي تريد التحرر من قيود التقاليد والحماية "الخانقة" التي تفرضها عليها عائلتها، تؤمن بالشعوذة، ولكن مع كل ما حدث في ذلك اليوم، ما كان منها إلا توقع هذا الاحتمال.

فوفقا للتقاليد، كان والد إستير على وشك إطلاع صهره المقبل على سر السفارديم (تميمة يتم تناقلها من جيل إلى جيل)، إلا أن التيار الكهربائي انقطع، ولحظة عودة النور كانت التميمة قد اختفت. ويقبل كل الأشخاص الحاضرون الخضوع للتفتيش باستثناء الخطيب الذي سرعان ما سيتهم بسرقتها.

ومن خلال هذا السعي لسبر أغوار الأصول، تستكشف أبيكاسيس بعاطفة وتلهف تاريخ اليهود المغاربة. إذ تتوالى خمسة قرون من التاريخ منذ طردهم من الأندلس من قبل ايزابيل الكاثوليكية وحتى العصر الحديث مع إبراز ثقافاتهم ومعتقداتهم.

"إنه بكل تأكيد خيال- تقول المؤلفة - لكنه يشمل جانبا من السيرة الذاتية، لأن لهذه المرأة الشابة (إستير) العديد من القواسم المشتركة معي". فمثلها "أنا فرنسية،

ومزدادة بستراسبورغ ووالداي من المغرب. إننا نتقاسم الكثير من الأشياء" تضيف الروائية التي ليست سوى ابنة الفيلسوف أرمان أبيكاسيس، المؤرخ الشهير للفكر اليهودي الذي ترعرع في الدار البيضاء والذي استرجع طفولته ومراهقته في المغرب من خلال كتابه "حارة المعابد".

وفضلا عن الجانب المتعلق بالسيرة الذاتية لرواية "السفارديم" ، تسعى إلييت إلى "بناء شخصية حقيقية تكون نموذجا للمرأة المعاصرة في ما يتعلق بكافة الأسئلة التي تطرحها بخصوص الحب والعائلة والأنوثة والهوية...".

" تناقل ثقافة السيفارديم "

إذا كانت أبيكاسيس قد اختارت الكتابة كوسيلة لتوريث الثقافة، فإن آخرين اختاروا سبلا أخرى للتعبير عن تشبثهم بثقافتهم اليهودية المغربية من قبيل الرسم، والموسيقى والسينما. فاختيار كوميدي ليكون خطيب إستير في الرواية ليس من قبيل الصدفة، إذ كانت المؤلفة تحيل على الجيل الجديد من الفنانين اليهود من أصل مغربي الذين يعملون بفرنسا (جاد المالح و أرثور وغيرهما) والذين يوظفون الفكاهة للحديث عن أسرهم وتقاليدهم.

من خلال روايتها تنحت إلييت أبيكاسيس، بأداة الكتابة، هذا التعلق بالمغرب وبثقافته وتحيي الجانب المغربي فيها.

المصدر: وكالة المغرب العربي


«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+