برلين- "القضاء القَبَلي" يعيق تنفيذ القانون على المهاجرين في ألمانيا

الخميس, 26 أبريل 2012

طفت ظاهرة القضاء الموازي في ألمانيا، وهي وساطة الصلح لحل النزاعات، بعد صدور كتاب حول هذه الظاهرة يدق فيه الكاتب أجراس الخطر حول انتشارها في أوساط المهاجرين والتي أصبحت تستخدم للتغطية على الجرائم والضغط على الضحايا.

تنتشر ظاهرة "وسطاء الصلح" خاصة في الأحياء ذات الأغلبية المسلمة في المدن الألمانية الكبيرة، حيث يتم التوسط في حل النزاعات بين العائلات والأفراد. ولا يتعلق الأمر بنزاعات حول الإرث أو المال فقط بل يشمل أيضا الوساطة في جنح مختلفة مثل الاعتداء بالعنف أو التهديد وغيرها. وغالبا ما تواجه السلطات الألمانية، في حال وصلتها هذه المعلومات حول هذه الجنح، جدارا من الصمت لدى الضحايا الذين يرفضون الإفصاح عمّن اعتدوا عليهم. وغالبا ما تنعدم الأدلة الضرورية للإدانة وهكذا يبقى المجرمون بمنأى عن العقاب.

يواخيم فاغنر، متخصص قانوني و صحفي، قام خلال السنوات الماضية بأبحاث مكثفة حول ظاهرة "وسطاء الصلح" الإسلاميين ووثّقها في كتاب بعنوان: "قضاة بدون قوانين". ووفقا لأبحاث الكاتب فإن هذه الظاهرة تنتشر بصفة خاصة في العاصمة برلين وفي مدينتي إيسن وبريمن، حيث "يعيش جزء كبير من الأكراد واللبنانيين الذين لا يزالون يحافظون على ثقافة العشيرة والقبيلة". وحسب فاغنر فإن من بين هؤلاء تعيش ما بين 20 إلى 30 أسرة عُرف أفرادها بأعمالهم الإجرامية ويتم فيما بينهم الالتجاء إلى "وسطاء الصلح". وفي حال ارتكاب أعمال إجرامية يُعاقب عليها القانون فإنه يتم تقديم الأصغر سنا على أنه مرتكب هذه الأعمال حتى وإن لم تكن له يد في ذلك، وذلك لأنه عادة ما تكون العقوبة أخف بكثير بالنسبة للصغار في السن والقاصرين.

"وساطة صلح حسب موازين القوى والأقوى هو المستفيد"

ويذكّر فاغنر أن ثقافة التوسط للصلح قد نشأت في بعض المجتمعات في فترة لم تكن فيها هناك دولة ولا أجهزة قضاء أو شرطة، وبالتالي فإن القبائل كانت تنظم كل شيء فيما بينها بنفسها. ويقول فاغنر في هذا الإطار: "هذا القضاء الموازي، الذي أتحدث عنه (في الكتاب)، والذي ليس ظاهرة إسلامية بحتة وإنما يوجد أيضا في المجتمعات ذات الطابع القبلي، يستند على ثلاثة أعمدة: الوساطة للصلح، التعويض المالي والتحكيم الفردي." ويوضح فاغنر أن هناك موازين قوة وعلاقات نفوذ وسلطة داخل هذه الهياكل العائلية والقبلية. وبالتالي فإن "وساطات الصلح" إنما هي "عبارة عن املاءات قوة" من قبل العائلات القوية والنافذة على العائلات الأصغر والأقل نفوذا. أما التحكيم الفردي فيتخذ أشكالا مختلفة مثل الثأر أو الاختطاف أو الزواج القسري والتي يتم تنفيذها من خلال اعتماد القوة وذلك تحت شعار "نحل مشاكلنا بأنفسنا"، وفق فاغنر. ويشير إلى أن هذه العقلية العشائرية والقبلية لا تقتصر على مجتمع أو مجموعة إثنية معينة، بل إنها موجودة لدى عدد من الإثنيات المختلفة. ويوضح أن بعض العائلات المهاجرة في بعض أحياء برلين ومدينة إيسين لا تلتزم بالقوانين الألمانية.

وفي الواقع، لا توجد في ألمانيا إحصائيات ودراسات حول ظاهرة "وسطاء الصلح الإسلاميين" وعدد القضايا ونوعيتها التي يتوسطون فيها دون إعلام السلطات الأمنية والقضائية في ألمانيا. ولكن ومنذ صدور كتاب يواخيم فاغنر أصبحت وزارة الداخلية في ولاية بافاريا الألمانية تعكف على تتبع هذه الظاهرة. وفي سياق متصل شددت وزيرة داخلية ولاية بافاريا بيآته ميرك بالقول: "القضاء الموازي الذي يعمل خفية عن أجهزة الدولة والذي يلتف على القوانين المعمول بها هنا، لا يمكن السماح به. هذا النوع من قضاء الظل الذي يؤثر على ضحايا العنف ويمارس عليهم ضغوطا، يجب منعه ومكافحته."

وأكدت الوزيرة أن هذا القضاء الموازي لا يعني وساطة صلح بين طرفين على أساس الند للند، بل غالبا ما يكون هناك طرف مستفيد وآخر متضرر حسب موازين القوى. وتوضح ميرك أن النساء عادة ما تكن المتضررات لأنهن لايحصلن على حقوقهن، بحيث تقول: "لا يمكننا القبول بقرارات لا تأخذ مبادئ مثل المساواة بين الجنسين ومصلحة الطفل بعين الاعتبار".

"النساء هن عادة المتضررات بالدرجة الأولى"

ولكن الوزيرة أكدت في الوقت نفسه أن ظاهرة القضاء الموازي ليست ظاهرة دينية، وبالتالي ليست إسلامية بحتة، لافتة إلى أن مثل هذه الظواهر تنشأ لدى فئات من المهاجرين، من مختلف الخلفيات الثقافية، والذين لم يندمجوا بشكل جيد في المجتمع الألماني. وترى أن بعض التصورات الدينية من شأنها أن تزيد من حدة هذه الظاهرة. وتضيف أنه يمكن الحيلولة دون ظهور مثل هذه الظواهر الموازية من خلال اتخاذ إجراءات تدعم ثقة بعض الفئات في القضاء الألماني مثل العمل على سد النقص في المعلومات والتوعية. وترى أن هذا النقص يعد سببا رئيسيا في ظهور ظاهرة القضاء الموازي. وتقول بيآته ميرك: "يجب التوعية حول ميزات نظامنا القانوني وخاصة كسب الثقة فيه."

من جهتها، تؤكد المحامية ذات الأصول التركية سيران آتيش ومن خلال تجربتها العملية الطويلة معرفتها لتداعيات قضاء الظل السلبية خاصة بالنسبة للنساء. وتوضح أنه عادة ما يتم اللجوء إلى ما يسمون ب"وسطاء الصلح" لأن البعض من المسلمين المتشددين يرون أن القضاء الألماني يراعي كثيرا حقوق المرأة. وتقول: "يتعلق الأمر هنا بتداعيات هذه الممارسات خارج محاكمنا على العلاقات بين الجنسين، وبالدرجة الأولى فإن النساء والفتيات هن المعنيات."

26-04-2012

المصدر/ شبكة دوتش فيله

«مايو 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  
Google+ Google+