بكين- جدل في الصين حول حملة إعلامية تحمل مشكلات البلاد للأجانب

الإثنين, 28 مايو 2012

في الوقت الذي تشهد فيه الصين اضطرابا سياسيا على مستوى السلطة ويشهد اقتصادها تباطؤا ويتوق فيه شبابها الذين على اتصال بالعالم الخارجي للتغيير، يبدو أن حكام الحزب الشيوعي الصيني قد نفضوا الغبار عن طريقة مفعولها أكيد وهي تحميل الأجانب مسؤولية حدوث كل ما تواجهه البلاد من مشكلات. ومع ذلك لا يبدو أن هذه الطريقة تجدي نفعا هذه المرة كما كانت في الماضي، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية كما يوضح فيض الانتقادات على شبكة الإنترنت.

في منتصف مايو (أيار) الحالي تصدر الناشط الضرير في مجال حقوق الإنسان، شين غوانغشينغ، عناوين الصحف العالمية بسبب هروبه من المنزل الذي كان يخضع فيه للإقامة الجبرية إلى السفارة الأميركية ومحاولته السفر إلى الولايات المتحدة. وشنت مصلحة الأمن العام في بكين عمليات أمنية لملاحقة الأجانب الذين يقيمون بشكل غير قانوني في المدينة. ويقيم في بكين نحو 120 ألف أجنبي.

وتم الإعلان عن الحملة بعد أيام قليلة من حادث وضع في الثامن من مايو وتم تصويره بالفيديو. ويظهر التصوير محاولة رجل بريطاني الاعتداء على سيدة صينية قبل أن يتلقى الضربات من رجال صينيين كانوا مارين بالطريق. ومنذ ذلك الحين تعج وسائل الإعلام الرسمية والمواقع الإلكترونية المشهورة بروايات عن حوادث مماثلة، أثارت تعليقات تدين سلوك الأجانب السيئ. فمثلا، أظهر مقطع مصور نشر على الإنترنت في 14 مايو الحالي عازف التشيلو الروسي الرئيسي في أوركسترا بكين السيمفوني يتعارك على متن قطار سريع من شينيانغ إلى بكين بعد أن وضع قدميه العاريتين على المقعد الذي أمامه. وعندما شكت راكبة من ذلك، سبها أوليغ فديرنكوف، بأقذع الشتائم التي لا يمكن نشرها. واعتذر بعد ذلك ببضعة أيام بالروسية في مقطع مصور نُشر على الإنترنت، لكن جاء ذلك متأخرا بعد أن تم رفضه من الأوركسترا. وانتشر مقطع مصور آخر (لكوريين على الأرجح) يعتدون على سيدات صينيات في مطعم «كنتاكي» في مدينة تشنغدو، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين. ويبدو أن الرأي العام قد تغير بعد الحديث القاسي لمذيع أخبار بقناة «سي سي تي في إنترناشونال» المملوكة للدولة، التي تقدم نفسها باعتبارها وجه الصين أمام العالم عن الأجانب على حسابه على موقع «سينا ويبو» شبيه «تويتر». وكتب يانغ روي في 16 مايو: «فلنقطع رؤوس الأفاعي الأجانب. لا يستطيع الناس العثور على وظيفة في الولايات المتحدة وأوروبا فيأتون إلى الصين ليستولوا على أموالنا والمشاركة في تهريب البشر ونشر الأكاذيب المضللة لتشجيع الهجرة. يبحث الجواسيس الأجانب عن فتيات صينيات لتغطية ما يقومون به من عمليات تجسس ويتظاهرون بأنهم سياح، في حين يجمعون خرائط ومعلومات بنظام التموضع العالمي لصالح اليابان وكوريا والغرب». وأنهى يانغ تقريعه لـ«الحثالة الأجنبية» بتحية للحكومة الصينية على قرارها الأخير بطرد ميليسا تشان، وهي صحافية أميركية تعمل بمكتب شبكة قنوات «الجزيرة» في بكين. وأوضح قائلا: «ينبغي أن نخرس الذين يصورون الصين على أنها الشيطان الأكبر ونرسلهم في حقائب».

وكانت الردود على ذلك الحديث أبعد ما تكون عن التأييد بل تصل إلى حد تسفيهه، حيث نعت الكثير من المعلقين مذيع قناة «سي سي تي في» بالأحمق وألقوا عليه وابلا من أقذع الشتائم التي لا يمكن نشرها. وكتب أحدهم: «عملك كمقدم تلفزيوني إهدار للوقت. ينبغي أن تنضم إلى قسم نشر الدعاية الكاذبة المركزية». واتهم آخرون يانغ والحزب الشيوعي بمحاولة إثارة نسخة عصرية من حركة «بوكسر ريبيلوين» (انتفاضة الملاكمين) المناهضة للأجانب والمعاهدات غير العادلة والتبشير المسيحي، التي بدأت عام 1898.

بدأ كثيرون بالتعبير عن شكوكهم في أن تكون الروايات الخاصة بسوء سلوك بعض الأجانب جزءا من محاولات تقوم بها الحكومة لتشتيت انتباه الشعب بعيدا عن مشكلاته. وتساءل أحدهم يحمل اسم إليانيو على موقع «سينا ويبو»: «هل هناك حملة ضد الأجانب؟ هل هناك أيد خفية تستغل الرأي العام؟». وحاول يانغ بعد ذلك التخفيف من تلك السبة بقوله إنه كان يعني بـ«الحثالة الأجنبية» أمثال السكير البريطاني أو عازف التشيلو الروسي وليس «الأغلبية الصامتة» من المغتربين الملتزمين بالقانون. كما راوغ قليلا بترجمة أولية لما وصف به تشان. وعلى الرغم مما قام به من محاولات للتراجع عما فعل، أوضح هذا الموقف وما أثاره من انتقادات التنكيل الواضح بالأجانب في الصين التي بات «جيل ويبو» بها على درجة كبيرة من الوعي ومحصنين من تأثير الحملات أو التصريحات الرسمية أو غير الرسمية.

وقال لي تشنيغ بينغ، كاتب العمود المستقل: «هناك طريقة تفكير غريبة في الصين، فنحن بحاجة دائمة إلى خلق عدو خيالي للشعور بالأمان، لكنني أعرف الناس حولي ليس فقط المفكرين وأصحاب المشاريع الصغيرة، بل المواطنين العاديين الذين يعملون في المطاعم ومراكز الخدمات الاجتماعية. إنهم لا يعيرون انتباها (للشياطين الأجانب)، بل لحياتهم الحقيقية: نور الشمس والهواء النظيف والطعام والحرية». وتكتشف صحيفة «بكين ديلي» تقريبا ذلك في كل مرة تحاول إثارة عواطف الشعب فيها ضد السفير الأميركي غاري لوك. وبعد لجوء شين، الناشط الضرير، إلى السفارة الأميركية، دشنت صحيفة «بكين ديلي» وصحف قومية أخرى في العاصمة حملة منظمة من المقالات ضد لوك تتهمه بادعائه أنه شخص عادي من خلال حجزه الدرجة الاقتصادية بالطائرة والإقامة في فنادق متواضعة وحمل حقيبة ظهر ودفع حسابه في مقهى «ستار باكس» ببطاقة دعم. وتشير صحيفة «بكين ديلي» إلى أن كل ذلك يوضح مؤامرة أميركية خبيثة لإغواء الجماهير.

وأثار هذا الهجوم سخرية كبيرة أدت إلى حجب الصحيفة لقسم التعليقات. ويحظى لوك ذو الأصول الصينية، الذي يرتدي ملابس مريحة غير رسمية بشعبية كبيرة هنا، وأشار الكثير من مستخدمي الإنترنت إلى عدم سفر زعيم صيني على الدرجة الاقتصادية أو حمله لحقيبة الظهر من قبل. ولم يمنع هذا الصحيفة من مطالبة لوك خلال الأسبوع الحالي بالكشف عن ممتلكاته لتأكيد إلى أي مدى هو مواطن عادي.

وعندها أعلن القنصل الأميركي في شنغهاي ممتلكات كل من لوك والرئيس باراك أوباما. وأدى ذلك إلى نتيجة عكسية مرة أخرى، حيث تساءل مستخدمو الإنترنت عن سبب عدم امتلاك المسؤولين الأميركيين الكثير، في حين يعد رؤساء الحزب في المقاطعات الصينية أثرياء ولم يكشفوا يوما عن ثرواتهم.

وأدركت الصين أن الحملة ضد مخالفي القانون الأجانب يمكن أن يكون لها نتائج مزدوجة. ففي 17 مايو، حذرت وزارة الخارجية الأميركية من ترحيل المعلمين في معاهد كونفوشيوس المدعومة من الحكومة، التي يفوق عددها الستين معهدا وتنتشر في مختلف أنحاء الولايات المتحدة من أجل نشر الثقافة الصينية، في 30 يونيو (تموز) إذا لم يتمتعوا بالمؤهلات المناسبة.

28-05-2012

المصدر/ جريدة الشرق الأوسط

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+