09 أكتوبر - الرباط - أحمد الخمليشي يدعو إلى تحمل مسؤولية تجسيد المعارف عمليا وتوليد معارف جديدة

الجمعة, 09 أكتوير 2009

دعا الأستاذ أحمد الخمليشي مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية، يوم الأربعاء بالرباط، إلى تحمل مسؤولية استعمال المعرفة في الحياة العملية كأضعف الإيمان، والسعي ما أمكن إلى توليد معرفة جديدة مصداقا لقولة الإمام الغزالي "إذا تزاوجت معرفتان في عقل تولدت منهما معرفة ثالثة".

وأوضح السيد الخمليشي، في درس افتتاحي بمناسبة الموسم الجامعي 2009-2010 بعنوان "مؤسسة دار الحديث الحسنية ومشروع التكامل المعرفي"، أن عددا من الأئمة السابقين جمعوا بين معارف متداخلة ومتناقضة كالعلوم الشرعية والإنسانية والدقيقة أيضا .

وسجل الأستاذ الخمليشي أنه بالرغم من تقدم الوسائل (تواصل، اتصالات، تكنولوجيا...)، حصل حاليا تراجع عما كان عليه علماء السلف كما في حالة التثبت من صحة النصوص والاستعانة بعلوم أخرى في المعاملات وفي العبادات (رد الإمام الشافعي لحديث شريف رواه عبد الله بن عمر وقبوله حديثين شريفين آخرين في السياق ذاته).

ودعا الأستاذ الخمليشي إلى مواصلة هذه الاستعانة بالعلوم والأخذ بمعارف مختلفة مع توليد معارف جديدة وليس مجرد التخزين في الذاكرة لأن ذلك سيكون ضياعا للجهد الاجتماعي والفردي معربا عن الأمل في أن تأخذ الأبحاث التي ستناقش مستقبلا بدار الحديث الحسنية هذا المنحى، وأن تساعد على تصفح صحة النصوص الظنية بالخصوص .

واعتبر أنه كلما كثرت الأبحاث وتراكمت "يبدو منها ما يقرب من الطريق ويرفع هذا الواقع"، مشيرا إلى أن على الطلبة الباحثين أن يعلموا أن ذلك مرتبط بمسؤوليتهم في اتصال المعرفة ف"هي وسيلة وليست غاية في حد ذاتها"، تمارس في الحياة العملية وتولد معرفة أخرى كدرجة أعلى.

وأشار إلى أن الغاية من وراء ذلك هو صياغة معرفة تساعد المرء على العيش بسلام والاهتداء لعقيدته والعيش داخلها وإقامة ينابيع تعايش عوض الواقع بتياراته الفكرية المتناحرة إلى حد سفك الدماء والرجم بالتكفير حتى أضحى "بأسنا بيننا شديد" وأضحى "دورنا هامشيا وسلبيا وغير مرئي في الحضارة الإنسانية".

واعتبر المحاضر أن من شأن الاستعانة بمعارف أخرى (علم الاجتماع، فلسفة القانون، تاريخ الأفكار السياسية، الفلسفة...) أن يساعد على صياغة فكرة تتعلق بالوسيلة التي توصل المجتمع إلى صياغة قواعد تلزمه في سلوكه.

وأكد السيد الخمليشي أن من شأن ذلك أن يحول دون أن تبقى الفتاوى التي تصدر عن الفقهاء جامدة، ويكون الخاسر هو المجتمع الإسلامي والشريعة ذاتها بسبب استحالة تطبيق أي فتوى لأنها فردية ومتعارضة.

وفي هذا السياق، تحدث السيد الخمليشي في جانب أول عن التثبت من صحة النصوص وتفسيرها المعرفي الفردي العقلاني مع الاستعانة بعلوم أخرى على غرار السلف مع الاستعانة بالمعارف الأخرى للاقتراب من التفسير الصحيح.

واستشهد على سبيل المثال بالحديث الشريف حول (القسامة) الذي رواه الإمام مالك عن أبي ليلى (المختلف فيه والذي اعتبره ابن رشد مجهولا) داعيا، بالمناسبة، إلى البحث في الموضوع والعودة إلى حياة رسول الله عليه السلام وإلى الدراسات المجتمعية والتاريخية من أجل ربط الخيوط والتحقق من الأمور والوصول إلى معلومة تقترب من الحقيقة وترفع الالتباس .

واستشهد أيضا بموضوع الربا الذي عرفته المجتمعات الإنسانية منذ القديم (حمورابي الأشوري والفراعنة) والفروق في الأحكام بينه وبين ربا الفضل أو الزيادة من أجل الإمهال أو فضل النقد على الدين أو غيرها الأحكام الخاصة للغش والتدليس والغبن والغلط .

كما تحدث المحاضر في جانب ثان عن مفهوم الإلزام والمسؤولية أي بمعنى التفسير الذي يشكل الدلالة الإلزامية للجماعة الإسلامية معتبرا أنه لا بد من التفكير في وضع قاعدة ملزمة مع الاستئناس بالتجارب الغربية بعد نقدها والبحث عن التمييز بين الآراء المتناقضة وبين ما تتطلبه حياة المجتمع واستقراره وطمأنينته وضمان التعايش بين أفراده وانتشار السلم بينهم.

ولم تفت المحاضر الإشارة إلى الخلط الذي يقع حاليا بين التفسير المعرفي الفردي والتفسير الإلزامي (بين الفقه والتشريع) والخلط في المفاهيم الدينية والمعاملات من قبيل الفتاوى المتعددة (حد الحرابة، السجن والغرامة، الجنحة التعزيرية، الغش التجاري...) حول قضية واحدة.

ومن جهة أخرى، ذكر مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية بأن نظام التكوين الجديد في المؤسسة جعلت المكونين يغرفون من منابع فكرية متنوعة كما أنه سهل على رواد المؤسسة الانتباه لهذا المجال فتيسر لهم ما لم يتيسر للآخرين.

وأكد على مسؤولية مؤسسة دار الحديث الحسنية إزاء التكامل المعرفي بين العلوم مشيرا إلى أن الأمة الإسلامية في حاجة ملحة لدارسي العلوم الشرعية والنصوص الموحى بها لتقديمها للمجتمع مشجعة على المعروف ومنفرة من المنكر.


و م ع

الصحافة والهجرة

Google+ Google+