فاعلون مدنيون وأكاديميون يحللون دور ومكانة مغاربة العالم في تنمية جهة سوس ماسة

الأربعاء, 13 فبراير 2019

"هذا كتاب جاء حصيلة دراسة امتدت إلى 20 سنة من البحث العلمي، وبالتالي فهو عمل تراكمي لأبحاث مجموعة من طلبة الدكتوراه، مع تحيين المعطيات عبر لقاء المسؤولين السياسيين والإدارات العمومية والفاعلين الجمعويين". هكذا لخص محمد شارف، أستاذ مادة الجغرافيا في جامعة ابن زهر، تقديمه لكتاب "دور ومكانة مغاربة العالم في جهة سوس ماسة" والذي كان محور مائدة مستديرة تحت نفس العنوان، احتضنها رواق مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، زوال يوم الثلاثاء 12 فبراير 2019، في لقاء أداره عبد اللطيف المعروفي.

SIEL19 D5 TR2 MAROUFI

وأضاف محمد شارف، وهو الخبير في مجال الهجرة وحركات السكان، وعضو المجلس الوطني للحقوق الإنسان، أن الكتاب سالف الذكر جاء بناء على طلب من مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مضيفا أن القرارات ذات الصلة بقضايا الهجرة، تتطلب معرفة أوضاع وإمكانيات الجالية، وهذا أمر يهم مجمل التراب الوطني، معتبرا أننا نعاني في المغرب من خصاص كبير في المعطيات الإحصائية الدقيقة حول الهجرة المغربية في ارتباطها مع الجهات.

SIEL19 D5 TR2 CHAREF

واستعرض المحاضر بعد ذلك أهم مضامين فصول الكتاب، حيث تم في الفصل الأول، التفريق بين الفصل بين الهجرة والتنمية، معتبرا أن هناك هجرات، أما التنمية فإنها متعددة المهام والوظائف، من قبيل تنمية مستدامة، اجتماعية، اقتصادية، ثقافية؛ بالنسبة للفصل الثاني، فقد تم فيه استحضار البعد التاريخي لهجرة الجالية المغربية على مستوى الجماعة والإقليم والجهة، حيث اتضح أن التاريخ حافل بشخصيات الهجرة، وأن  الجهة غنية بالرموز والأحداث ذات الصلة بالهجرة، ولكن هناك نقص في باب المعرفة.

SIEL19 D5 TR2 SEFINI

أما الفصل الثالث، فتم فيه التوقف عند دور المهاجر المغربي في قضايا التنمية، حيث اتضح أنه غالبا ما يتم التركيز على البعد المالي، سواء عبر الاستثمارات الشخصية أو الاستثمارات الجماعية، وقد تم الاشتغال على واقع هذه الاستثمارات الجماعية في الفصل الرابع، حيث اتضح أن العديد من البنيات التحتية سببها مبادرات أبناء الجالية، وهذه حالات نادرة في العالم وليس في المغرب وحسب؛ وتطرق الفصل الخامس لعلاقة المؤسسات والسلطات بقضايا الجالية، حيث خلص الكتاب إلى وجود نوع من الموسمية في التعامل مع الجالية، وخاصة في فصل الصيف؛ وأخيرا، اشتغل الفصل الأخير على ملف إدماج الجالية، مع إشارته إلى أن خاتمة الكتاب تضمنت مجموعة من التوصيات لتجاوز المعضلة.

مجلس جهة سوس ماسة والاهتمام بمغاربة العالم

بالنسبة لأحمد الزاهيدي، وهو فاعل حقوقي ومحام ونائب رئيس جهة سوس ماسة، فقد انطلق من مرجعية النصوص القانونية التي تتحدث عن دور ومكانة مغاربة العالم في الجهة، مع التوقف خصوصا عند منعطف 2016، حيث وضعت جهة سوس ماسة ملف الهجرة في صلب مشروعها التنموي، متخذة بعين الاعتبار أن عدد مليون مغربي من الجهة الذي يجسد نسبة الحضور ضمن الجالية المغربية المقيمة بالخارج، كان عاملا مؤثرا في انفتاح مؤسسة الجهة على هذه الفئة، بما تطلب بداية تغيير الرؤية، بما فيها الرؤية السياسية.

 لذلك، يضيف المتدخل، كان لا بد من مغاربة العالم، وبالتحديد أهل سوس الذين يقيمون في الخارج، أن تكون قضاياهم حاضرة في رؤية وضعتها الهجرة، وتتأسس على أرضية علمية مفادها أنه لا بد من وجود دراسة تهم مسألة الهجرة من جميع جوانبها، وعلى ضوءها سيتم وضع الاستراتيجية تتم بمعية جامعة ابن زهر، كما تتأسس على تبني عدة خيارات، منها إعطاء الأغلبية للجالية في مجال الاستثمار، تبني مقاربات ثنائية، إضافة إلى خيارات أخرى، خاصة أن هذه الجالية، يضيف أحمد الزاهيدي، قامت بدور كبير في مجال البنية التحتية، مما يترجم مدى ارتباطها بالوطن.

عندما يساهم مغاربة العالم في حل مشاكل مناطقهم الأصلية

أما مداخلة إبراهيم السفيني، رئيس جماعة أربعاء الساحل، وهو أيضا أحد أهم رجال العمل المجتمعي في المنطقة، فقد توقفت بداية عند التحول في أداء الفاعلين الجمعويين مع قضايا الساكنة، حيث كان هذا التفاعل في ما مضى يقوم على نقد الجميع، أي الساكنة والمسؤولين، ولكن جاء المنعطف في التعامل من خلال التعامل الميداني المباشر مع ملف الجالية المغربية، فبينما بقي جزء من التعامل لا يتجاوز سقف النقد في الإعلام، تفرغ الجزء الأكبر إلى العمل الميداني.

وفي هذا السياق تم تأسيس مجموعة من الجمعيات المدنية، ذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، جمعية تمونت، والتي وزعت عملها زمنيا على ثلاث سنوات مفصلية، كانت السنة الأولى عبارة عن سنة استماع، وتلتها سنة ثانية لربط علاقات، وأخيرا، جاءت السنة الثالثة التي كانت أولى محطة العمل، وذلك ابتداء من عام 1995، مع إعطاء أولوية لقطاع التعليم، فكانت النتيجة، أن نسبة التمدرس لدى الفتيات في المرحلة الإعدادية والثانوية انتقلت من 40 في المائة إلى 98 في المائة، بينما انتقلت عند الذكور من 50 في المائة إلى مائة بالمائة، مع الإشارة إلى أنه تم تأسيس سبع مجموعات مدرسية، بأموال أبناء الجالية، إضافة إلى توفير وسائل النقل للتلاميذ.

كما توقف المحاضر عند تجربته في العمل الجمعوي مع قضايا المرأة والطفل، منوها بمبادرات محو الأمية وإطلاق مجموعة من التعاونيات النسوية، مع التركيز دائما على قطاع التعليم، حيث أورد المتدخل عدة إحصائيات في هذا السياق، كما سلط إبراهيم السفيني الضوء على عدة نقاط قوة تشتغل عليها مبادرات الذاتية، ومنها إقامة شراكات مع جماعات محلية من أجل تشجيع التعليم، الرهان على معاملات تتم شفافية كبيرة في الشراكات والجدية، وهذا رأسمال معنوي ساهم في نجاح العديد من المبادرات، داعيا المسؤولين الإداريين إلى أهمية الانتباه إلى العمل الجمعوي، لأنه برأيه، يساعد المسؤول على إقامة اتصال مباشر مع الساكنة وبالتالي معاينة المشاكل مباشرة.

جمال لحسين ينبه لضرورة انخراط الدولة في مشاريع الهجرة والتنمية

وأخيرا، جاءت مداخلة جمال لحسين، وهو وجه معروف في مجال الهجرة التنمية، خاصة أنه أقام طيلة عقود في ضواحي مرسيليا بفرنسا، واشتهر ابتداء من عام 1986، سنة عودته للمغرب، بتأسيس جمعية الهجرة والتنمية، كما يشرف حاليا على تسويق المنتوجات القروية خارج المغرب.

SIEL19 D5 TR2 Houcin

وقد سلطت مداخلة لحسن على أهمية أعمال ومبادرات الجالية في تحفيز وتغيير أداء السلطات الإدارية، ومنها السلطات الحكومية، في التعامل مع قضايا التنمية المحلية، متوقفا في هذا الصدد عند مجموعة من الأمثلة والوقائع، ومنها مثلا، كيف أن الاشتغال على هاجس التنمية في الجهة كان أمرا غير مرغوبا فيه طيلة سنوات، ولكن أصبح الأمر مغايرا مباشرة بعد الخطاب الملكي المؤرخ في 1996، حيث اعتبر أنه ابتداء من هذه السنة، أصبحت الحكومات تتفاعل وتتعاون مع منظمات المجتمع المدني بشكل مختلف نسبيا مقارنة مع المرحلة السابقة.

كما أشار المتدخل إلى أن قضايا الهجرة والتنمية في الجمعية التي أسسها انتقلت اليوم إلى قطاعات أخرى، وفي مقدمتها قضايا الشباب، منوها بانخراط الباحثين ومؤسسات الجهة من أجل التفاعل العملي أكثر في مواجهة هذه التحديات، ومتوقفا عند تحديات أخرى، منها التعامل مع المهاجرين المتقاعدين والعائدين إلى أرض الوطن، بسبب تواضع البنية التحتية التي يمكن أن تحتضن هذه الفئة من الجالية.

SIEL19 D5 TR2 EZZAHIDI

 كما وجه انتقادات بخصوص غياب رؤية مغربية في تفعيل دور المهاجرين في مشروع التنمية المحلية، مقارنة مع باقي النماذج الدولية، بدليل أن أغلب الشراكات التي كانت تنخرط فيها جمعية الهجرة والتنمية، كانت مع مؤسسات فرنسية وأوربية، داعيا المسؤولين إلى التفكير في إطلاق ما يشبه مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ولكنها خاصة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، خاصة أن عدد هذه الجالية اليوم، يناهز الخمسة ملايين.

هيأة التحرير

Google+ Google+